إن أحسنت ساعة أساءت سنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة في الدارين وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة وإن كنا من قبل لفي ضلال مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله الله للعالمين رحمة وأنزل عليه الكتاب والحكمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، الذي كان من أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم أنه مبشر، فهو صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالبشارة الكبرى، وهي الإيمان بالله والبشارة بعفوه وغفرانه ورضوانه ورحمته، والبشارة بجنة عرضها السموات والأرض، وقد بشّر صلى الله عليه وسلم بتوبة الله تعالي على من تاب وعفوه عمن أناب، وقد بشّر صلى الله عليه وسلم بأن الوضوء يحط الخطايا.
وأن الصلاة ورمضان والحج والعمرة كفارات لما بينها من الذنوب إلا الكبائر، وبشّر صلى الله عليه وسلم من فقد عينيه بالجنة، وبشر صلى الله عليه وسلم من فقد ابنه بقصر في الجنة، وبشّر صلى الله عليه وسلم من أصابه مرض بأنه يمحو الخطايا، وأن من أراد الله به خيرا ابتلاه، وبشّر صلى الله عليه وسلم من انتظر الصلاة أن الملائكة تصلي عليه وتدعو له ما لم يحدث، وبشّر صلى الله عليه وسلم من سبح تسبيحة واحدة بغرس نخلة له في الجنة، وأن من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وأن من أذنب ذنبا ثم توضأ وصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له، وبشّر صلى الله عليه وسلم أن من أصابه مرض أو وصب أو نصب أو هم أو غمّ أو حزن حتى الشوكة يشاكها جعلها الله كفارة له من الذنوب.
وجاء صلى الله عليه وسلم بكتاب عظيم وذكر حكيم يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بان لهم أجرا حسنا ونهاهم عن اليأس، حيث قال تعالي ” إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين” وعن القنوط ” ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون” ونهاهم عن الحزن، حيث قال تعالي ” ولا تهنوا ولا تحزنوا ” وفتح صلى الله عليه وسلم باب الغفران للتائبين من المسرفين، حيث قال الله تعالي ” قل يا عبادي الذين اسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” فإياكم من الدنيا فإنها إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سنة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أموالها بذل طالبيها ناطقة.
فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها أتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدور، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺍﻻﺿﻤﺤﻼﻝ ﻛﻤﺜﻞ ﻏﻴﺚ ﺭﺍﻕ ﺍﻟﺰﺭﺍﻉ ﻧﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﻳﻬﻴﺞ ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ، ﻭﻳﻨﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﺭﻩ الله ﻟﻪ، ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﺼﻔرا ﻣﺘﻐﻴﺮﺍ ﺯﺍبلا ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﺃﺧﻀﺮ ﻧﺎﺿرا ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴُﺒﺲ ﻫﺸيما ﻣﺘﻜﺴﺮا ﻓﻔﻴﻪ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﻤﺪﺓ ﻧﺒﺎﺕ ﻏﻴﺚ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻳﻀﻤﺤﻞ، ﻭﻳﺘﻼﺷﻰ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻗﺮﺏ ﻓﻨﺎﺋﻬﺎ.إن أحسنت ساعة أساءت سنة