ادب وثقافة

أقدآر بدور

جريدة موطني

اقدار بدور

بت يا بدور وشك مخطوف كدا ليه دا النهارده فرحك
خايفه ياما هو انا مش صغيره على الجواز
١٤ سنه وصغيرة دا اللي قدك فاتحين بيوت ومخلفين قومي يابت البسي فستانك عريسك جاي في الطريق و الماشطه جايه تحطلك لاحمر
حاضر ياما قايمه اهو

كان شعور بدور مختلط سعيده جدا بالفستان الابيض و الزغاريد ولكن ينتابها شعور خفي يؤلم قلبها كثيراً لا تعرف ما سببه كأن هناك مجهول مرعب ينتظرها

بت يابدور لبستي ؟
اه ياما لبست
تعالي الماشطه وصلت م البندر

جلست بدور متناسية كل خوفها والسعادة تغمرها بقدوم الماشطه ستتزين وتضع الكحل واحمر الخدود والشفايف للمره الاولى وقفت زميلاتها ينظرن لها بتمنى ان يتزوجن مثلها
علت صوت الزغاريد فجأة
العريس جه يا عروسه يلا
انهت الماشطه تزين بدور وخرجت بدور لعريسها
لتبادر ببراءة
حلو يا مصطفى
قمر منور يابدور بدر بصحيح
تدخل ابو العريس الحاج ابو مصطفى

هنقضيها تسبيل يلا عشان الزفه مستنيه

كان عرس بسيط بقرية ابسط انتهى سريعاً قرب الساعة العاشره حتى تذهب القريه للنوم باكراً كما اعتادوا

بدات حياة بدور الزوجية
لتجد ان المتحكم بالمنزل ابو زوجها وامه
كان هذا لسان حال كل قريتها تتزوج النساء لتخدم بيت العائله بأكمله ما بين الخبز وتنظيف الحظيرة والبهائم
والذهاب للارض للزرع والحرث مع الرجال
كانت تعود بدور لغرفتها الصغيره لتتزين لزوجها فترتدي قميصها السماوي التي فصلته لها امها وتضع الكحل الذي اشترته من الماشطه وتستخدم احمر الشفاه لشفاتها وخدها وتنتظر زوجها بعد انهائهم لكل العمل
ليدخل زوجها منفعلاً دون سبب يضربها
لم تكن تجرا بدور على السؤال فهي تعلم ان مصطفى طيب القلب ولكن ضربه لها يكون بتحريض ابيه او امه او سلفاتها
وما ان ينهي ضربه حتى تقوم مسرعة تحضر الطعام له
فللرجل ف القرية ان يفعل ما يحلو له وللمراه ان تتحمل ولا تتكلم وبعد العشا كان مصطفى يقبل راسها ويراضيها

بت يابدور خدي هنا اوعي تكوني زعلانه عشان ضربتك
لا يا مصطفى انا اقدر ازعل منك دا انت سيدي وتاج راسي
اصيله يا بت قومي حطي الكحل والاحمر اللي كنتي حطاه تاني والعياط مسحه
وابقي اسمعي كلام امي وابويا ومتزعليش سلفاتك منك انا مش بحب ازعلك يابت دا انتي مراتي ونور عيني

كانت بدور طيبة القلب يرضيها هذا الكلام ويمسح كل حزنها
لتعاد الايام كل يوم كما هي بلا اي تغير او جديد
انجبت بدور بنتاً وولدا كان يحرم عليها ان تحمل طفل وتجلس به فالاطفال توضع على الارض حتى تربيهم فحمل الطفل يجعله ليناً مدلل في عُرف القريه
كانت تسترق بدور لحظات لترضع طفلها دون ان يراها احد من المنزل ويتهمها بالتلاكع والتباطئ في اعمال المنزل
وتمر الايام حتى يأتي الخبر

مصطفى مات البلهارسيا قضت عليه
كانت بدور وبرغم ضعف مصطفى امام قرارات اهله تحبه وتراه سندا وضهراً لها ولا ترى نفسها زوجة لغيره فكسر ضهرها
وذبلت بدور وانطفأ بريق جمالها
ولم يقف الامر هنا
تفاجئت بدخول حماها وحماتها يرتدون ثوب الحنان والطيبة على غير العادة
تحدث حماها بحنية لم تعهدها
بدور ياحبيبتي انتي عارفه انك حته مننا ولا متعرفيش وعيالك دول ولاد مصطفى ومن ريحته وانتي حلوه وفيكي الطمع
لتكمل حماتها
واحنا اهلك ونعرف اكتر منك عشان كدا ولادك لازم يتربو وسطنا
بادرت بدور بالحديث
طبعا ياما هو انا عمري قولت ميتربوش وسطكم
خرج حماها عن عطفه وقال بحدة
هو انتي تقدري تنطقيها
طول بالك ياحاج هي اكيد متقصدش
قصر الكلام يا بدور عدتك خلصت اهي فرحك على محمود اخو مصطفى الخميس الجاي
قامت بدور منتفضه
فرح اي وجواز اي دا مصطفى لسه مبردش في تربته
واتجوزه ازاي و ابقا ضرة صابحه دا منغير حاجة ومش بتقبلني ولا بتطيقلي كلمه

بدور احنا مش جاين ناخد رايك احنا بنعرفك ان جوازك الخميس على محمود
وصابحه تضرب دماغها في الكيط لو مش عاجبها
فتح حماها الباب وخرج
لتلتفت حماتها وهي تلحق بزوجها
ضل راجل ولا ضل حيطه وفكري كويس لو رفضتي مفيش مليم هيتصرف على عيالك مننا وشوفي هتاكليهم وتشربيهم منين
خرجوا
وجلست بدور بزاوية الغرفة تبكي وهي تضع يدها على فمها حتى لا يسمعها احد و يوبخها بكت حتى غفت بنفس مكانها لتستيقظ على صوت اولادها

ماما ماما المدارس بعد بكره جهزتيلنا الحاجه

دار بفكرها اجهزلهم اي ومنين لا كله الا علام ولادي انا عايزاهم ياخدو شهادة وميطلعوش زي انا عشتن منغير شهادة ولا عمري خرجت م البلد دي ومش عيزاهم يعيشو فيها انا هوافق على محمود لاجل ولادي يكملوا ويتصرف عليهم لكن هفهمهم انه جواز على ورق بس عشان عيالي تتربى وتتعلم وسطهم

اتت حماتها في الصباح الباكر

ها يا بدور قولتي اي
موافقة
ضحكت بتهكم
و انتي كنتي تقدري متوافقيش
علمت سلفتها بالامر ومن هنا بدات الحرب
نزلت وبأعلى صوتها

اي يا خطافة الرجاله عملتي اللي في دماغك يا بدور موتي الكبير ولفيتي على جوزي
وسحبتها من شعرها وضربتها ضرب مبرحا امام ابناءها حاولت بدور الرد ولكن لا فائدة

اتى الحاج ابو مصطفى فتركتها سلفتها او الان ضرتها كما يقال

انا مش فاضي لكيد الحريم دا وعشان اللي عملتيه يا صابحه محمود هيكتب على بدور الليله
قبض قلب بدور ولم تستطع التقاط انفاسها وكأنما قام احد يخنقها او دك خنجراً بقلبها

بس يا …….
بصوت تحذيري
بدور انا كلامي ميتقالش وراه بس
هتفضلي في اوضتك دي محمود يبقا ينزلك فيها انتي ليله وصابحه ليلة
كانت دموع بدور تغرقها دون ان تنطق ولكن عند هذا الكلمه لم تستطع

بس الله يخليك يا ابا بلاش الحته دي ابوس ايدك خلي كل الايام عند صابحه انتم قولتوا نتجوز عشان العيال وانت كلمتك على راسي بس بلاش كل واحده ليلة دي
احب على راسك دا لسه مصطفى ميت الله يسترك

احنا هنهزر دا جواز حد قالك اننا ناس ظلمه عايزين نربطك بابننا وبس
انا راضيه والله بالله عليك

لترد صابحه بكيد وحرقة قلب
اتمسكني اوي اتمسكني عامله نفسك ملكيش يد في الموضوع

على صوت ابو مصطفى
الموضوع خلص مش عايز رغي حريم
هيتكتب عليكي النهارده بالليل وجدولكم هيبدا من النهارده
ليلتك يا بدريه النهارده وانتي بكره يا صابحه

لم تحتمل صابحه ماسمعت فركضت الى دجال قريتهم وجهزت عملاً بالمرض والكره والخراب لتضعه لبدور امام غرفتها

ارسلت بدور ابنها الاكبر لينادي جدته ام بدور
وبالفعل اتت
ارتمت بدور بين احضانها
الحقيني ياما محمود هيكتب عليا النهارده قلبي مخلوع من مكانه و الحاج ابو مصطفى ييقولي ليلتك النهارده طيب اموت نفسي ياما واخلص مخدتنيش معاك ليه يا مصطفى دا انا لسه مقلعتش الاسود ياما لسه مصطفى مبردش في تربته محمود عايز ينام على سريره ياما انا حاسه ان قرفانه من دنيتي كلها مش عايزه الليل يجي يارب اموت قبل مالمأذون يوصل

اهدي يابت يا بدور اهدي وجعتيلي قلبي يا ضنايا هتعملي اي بس احنا اتولدنا فلاحين ولاد فلاحين لا في ايدنا شهاده وعلام ولا صنعه هتروحي بولادك فين بس
بكت ام بدور وحضنت ابنتها
وبكت بدور حتى تورمت عيناها ليمر الوقت دون ان تشعر
وفجأه تسمع صوت زغاريد حماتها المأذون وصل
الحقيني ياما بيزغرطوا وابنهم لسه ميت
اااااااه يا قلبي ياني
كانت تقول كلمت اااااه وكأنها تخرج نار من قلبها وحرقة ألم
دخل حماها انا هبقا وكيلك يابدور كانت بدور بعالم اخر لا تسمع احد ولا ترى احد تهز براسها فقط مرت الاحداث كالكابوس ليدخل محمود عليها الغرفه فتسارع بارتداء طرحتها
بتعملي اي يا بدور انا جوزك خلاص واي الاسود اللي لبساه دا قومي البسي حاجه عدله
محمود دا اخوك لسه ميت الله يسترك تحس بيا ومتعمل اللي ابو مصطفى قالوا تعالى نتفق ويبقا جوازنا على ورق هبقا خدامه تحت رجليكم كلكم بس متعملش اللي قالوا
شد طرحتها من ع راسها بقوه جرحت رقبتها وهو يقول
شيفاني رجل كنبه عشان تقوليلي جواز على ورق اخلصي دا انتي كنت طالعه من عيني يابت
اي اللي بتقوله دا يا محمود انا كنت مرات اخوك
اه وبقيتي مراتي دلوقتي فمتوجعيش دماغي بقا بالنكد بتاعك دا
مرت الليلة ككابوس مرعب على بدور اخذ محمود حقه بالقوه بل وبالضرب ايضاً لم تنم في هذه الليله انتظرت ذهابه لصابحه وقامت صابحه برش العمل صباحاً وتاكدت من مرور بدور عليه ظل هذا الوضع لسنوات دخول محمود غرفتها كحبل الاعدام حول رقبتها وخروجه كحكم البراءه ورغم اوجاع بدور التي لازمتها سنين الا انها لم تشكو ابدا كان كل تركيزها وشغلها الشاغل ان يتعلم ابنائها تعليم جامعي تحملت الكثير من محمود وصابحه وألمها الذي تجهل سببه ورغم ذلك لم تفارق الابتسامه وجهها كانت دائما تبعث الحب والتفائل لكل من حولها كيف لبدور التي قاست كل هذه الالام ان تضحك و تداعب من حواها وتقول النكات
كان جيرانها دائما يسألوها
لسه فيكي حيل تهزري وتضحكي يا بدور
ومضحكش ليه انا عارفه اللي جاي هيخليني احزن قد اي
منعيش اللحظه بلحظتها يا اختي

وتعود ليلاً لتقابل وجه محمود العبوس وعباراته القاسيه
كبر ابنائها وانهو دراستهم الجامعيه
ليصبح راضي مهندساً
ونبيله معلمه
انتبه الابناء لألم امهم حين وصفت لابنتها ما تشعر به
لتاخذها للطبيب ويكتشفوا ان لديها ورم بالثدي
ذهبت نبيله لعمها محمود و ترجته ان يعالج امها لكنه رفض
هلاحق على مصاريفكم و لا اعالجها العمر واحد لو مكتوبلها تموت تموت
انثلج قلب صابحه وهي ترى اعمالها تطهر على بدور رغم حقدها مما وصل له ابناء بدور مقابل فشل ابنائها في كل شيء
كان الحل الوحيد عمليه استئصال ثدي لم يظهر على وجه بدور اي خوف او حزن وكأنها كانت النجاة من يد محمود الذي كانت تشمئز من اقترابه منها
ظلت تضحك كعادتها وتهون الامور على ابناءها وسط دموعهم وخوفهم عليها انهت عمليتها ولم يمر شهر حتى توفي محمود وكان قد توفي ابو مصطفى وامه وتركت بدور لصابحه فسلطت عليها ابنها اما ان يتزوج ابنتها او تطرد من البيت
في هذا الوقت كان ابنها راضي قد سافر للعمل بالخارج
استنجدت به امه فأرسل لها ثمن اجرت منزل وطلب منها ان تهرب من هذا العذاب هي واخته وهو سيتكفل بكل مصاريفهم
لتهرب بدور بعيدا ولاول مره تستيقظ بلا صراخ وشتائم لاول مره تعلم كيف يكون المنزل والاستقرار
مرت سنه ليكتب الله لها الحج وتزوج ابنتها وابنها ويرتاح قلبها وتضع زوجة ابنها في عينيها وتتمنى ان لا يقاسي اي احد ما قاسته كانت ذات قلب ابيض لم تتذكر اي شئ سوى ان تقضي ما بقي من عمرها سعيده تبتسم وتربي احفادها ……
بقلم
هاجر سرحان

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار