الأخرس والأبوان
بقلم الروائي / عايد حبيب جندي الجبلي
جلس وهو يضع يديه على خديه يفكر فى همومه وحالته المعيشية الضيقة وكيف يدبر أمره ، فقاطعته قائلة : علاء … فيمَ تفكر ؟ نظر إليها قائلاً : حبيبتي إنني أحبك حباً عميقاً فهل تحبينني مثلما أحبك ؟ الزوجة ..نعم أحبك أكثر من روحي وعقلي ، علاء: إنني خائف أن يفرقنا القدر يا حبيبتي !! الزوجة : إن حبنا في أعماقنا وذاتنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن فراقنا مستحيل ،علاء إن المعيشة يا حبيبتي غالية ، الزوجة لقد مر على زواجنا عام كامل إنني مللت من الطعام صباحاً ومساء صنف واحد يتكرر ابتسم علاء لها واضعاً يده فوق كتفها إنها إرادة الله يا حبيبتي وأنا أبحث عن عمل إضافي ولم أجد فاصبري يا حبيبتي
فإنها أزمة طارئة وسوف يأتي الفرج
الزوجة .. حبيبي سوف أذهب إلى بيت أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما تجد عملاً أذهب أنت إلى بيت أبى وسوف أعود معك إلى بيتنا
علاء .. وطفلنا الرضيع ثم ما أدرانا ربما يكون في بطنك جنين ، اصبري حبيبتي
همس ..
سوف أذهب باحثاً عن عمل إضافي مرة أخرى
يا رب وفقني يا رب
ضاقت الدنيا في وجهي ولم يبق إلا وجهك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرر البحث عن عمل وعلم أن في محافظة ما عملاً لدى أحد رجال الأعمال فكتب اسمه على ورقة وفيها العنوان ..
بالورقة توصية عليه لكي يقبله رجل الأعمال .
أخرج من جيبه الورقة وتأملها وبدأ يفكر في السؤال عن العنوان حين سمع ضجيجاً كان رجلان يتنازعان في موضوع ما تطور إلى مشاجرة فاتجه إليهما لفض النزاع كان أحد الرجلين قد أمسك بعصا غليظة ليهوى بها على رأس منافسه الذي تفادى الضربة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محتمياً بصدر علاء فهوت العصا علي رأس علاء الذي سقط علي الأرض مباشرة فهرب الرجلان مسرعين خوف التحقيق والمسئولية وهرب ثلاثة من الشبان كانوا واقفين بجانبه وبدأت الدماء تظهر علي جبين علاء .
ومن بُعد .. ظهر تاجر متجول شاهد ذلك الرجل فهرول وحمله على دابته وأسرع إلي منزله ونجح في القيام ببعض الإسعافات الأولية وعمل الكمدات وبدأ يفتح عينيه فى مكان جديد عليه ولم يشاهد إلا رجلاً يضحك قائلاً له حمد الله على السلامة وطفلاً يقرب عمره من الثامنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا اندهش وسأله من أنت ؟ ومن أنا ؟ ولماذا أجلس هنا ؟ وعبثاً حاول التاجر المتجول أن يعيد علاء إلى ذاكرته .
مر شهران على غياب علاء عن البيت وما خبر .
جمعت الزوجة أشياءها الضرورية وذهبت إلى أمها . ووصفت لها نزاعها مع زوجها وكيف عرف أن هناك رجل أعمال طيب في محافظة ما فذهب إليه لكن لا أخبار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غضبت الأم وعاتبت أبنتها قائلة لها أنك لم ترضى بما قسمه الله لك وصاحت الزوجة الحزينة رأيت الفقر في بيت أبي فلم أجده في بيت زوجي وانهارت الزوجة في بكائها بينما حاولت المرأة أن تهدأ من حالها من أجل طفلها الرضيع ومن أجل ذلك الطفل الذي فى بطنها واستمر دعاء الأم بينما انصرفت الزوجة إلى السرير للنوم .
ذهبت الزوجة إلى الفراش لم تستطع النوم وأخيراً ذهبت في نوم عميق … رأت حلماً عجيباً ( ثلاثة أفراد لهم شعر كالأسلاك الشائكة ووجوه عجيبة ولهم أسنان بارزة كسيوف حادة مخيفة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان هذا الحلم يتكرر ويفزع الزوجة .
يوماً ما سمعت الأم صوت أنين ابنتها فدخلت عليها حجرتها ، كانت تتلوى فوق السرير تئن أنيناً قاسياً وطفلها بجوارها يبكى وهى مشغولة عنه فقررت سرعة الذهاب بابنتها إلي المستشفى وحملت الطفل وخرجت في الصباح الباكر قابلت هذا الجار الذي قد سكن بجوارهم منذ يومين وسألته أأنت الذي سكن هنا أول أمس ؟ فأجابها نعم فطلبت بقاء الطفل معه لحين الرجوع من المستشفى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اصطحبت الأم ابنتها واتجهت إلي المستشفى الحكومي وهناك بدأ الطبيب الفحص .. وبدأت علامات الغضب على وجه الطبيب . فهمس في أذن الأم الحالة خطرة ولكن . فقاطعته الأم كم تتكلف مصاريف العلاج ؟
فسألها عن ظروفها فقصت عليه كل شيء بالتفاصيل فقال لها اذهبي واتركي ابنتك في المستشفى .
خرجت الأم حزينة قلقة بعد حجز ابنتها في المستشفى كانت الدنيا سوداء في نظرها ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الأم قلقة ومتوترة تفكر بصوت عالٍ ولم تسمع صراخ الناس في أذنها فكانت سيارة مسرعة قادمة ولم يستطع السائق تفاديها حيث لفظت أنفاسها الأخيرة قبل دخولها المستشفى .
عاش علاء مع التاجر المتجول حياة هادئة ، كان يعمل معه فى التجارة وعلم أنه فاقد الذاكرة وكان كلما نام رأى حلماً عجيباً ” رجلان يتشاجران وهو بينهما ويتلقى ضربة قوية ويسقط على الأرض ” وكان يتعجب من ذلك الحلم وتكراره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوماً ما كان علاء نائماً رأى الحلم .. كان يتقلب فوق سرير علوى فسقط على رأسه هرع إليه التاجر وابنه … أفاق فى اندهاشه وهو يسأل : من أتى بى إلى هنا ؟ و عرف من التاجر كل شيء ، فقرر العودة إلى بلدته وزوجته بعد أن فقد الورقة التى بها اسم وعنوان رجل الأعمال .
وترك علاء عنوانه عند صاحبه وانصرف وطلب التاجر منه أن يترك عنوانه فى بلده فسوف يذهب إليه فيما بعد واتفق الاثنان وانصرف علاء إلى بلدته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساءت حالة الزوجة الصحية وأصبحت تثور وتهيج ونجح الطبيب المختص وإحدى الممرضات وكانت مشهورة بالقلب الكبير فى الاهتمام بالزوجة رغم انفعالات المتوالية وتهجمها أحياناً على الممرضة ومحاولة خنقها.
كان للممرضة طفل عمره سبع سنوات وطفلة عمرها أربعة أشهر .
وفى ليلة كانت ولادة الزوجة قد حانت فأنجبت طفلة جميلة ، ولكن نظراً لظروف الزوجة المرضية والنفسية أخذت الممرضة الطفلة فى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيتها مع الطفلين بينما تحركت الزوجة إلى قسم الأمراض النفسية وبدأ العلاج النفسي لها .
وصل علاء إلى بلدته فذهب إلى بيته ولم يجد أحداً ولم يعرف من الجيران إلا أن زوجته ذهبت إلى بيت أمها التى ماتت فى حادثة .
توالت الأيام وعلاء لم يترك مكاناً لم يبحث فيه ، وبينما كان جالساً فى أحدى المقاهي بجوار رجل مسن ، فدار حوار بينهما فعرف خلال الحوار أن لديه فتاة تعالج فى قسم الأمراض النفسية بالمستشفى وأنه سوف يزورها الآن وانصرف الاثنان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صارت صداقة إلى حد ما بين الاثنين وخلال لقائهما يوماً ما أخبره الرجل المسن أنه عرف بوجود زوجة شابة من عامين تقريباً فقدت زوجها وطلب منه الذهاب إلى المستشفى ربما تكون تلك المرأة زوجته .
وفي المستشفى التقى علاء بالممرضة ، وعرف منها أن تلك المرأة زوجته ، وخاصة أنه قد رآها من بعد ، ولما التقى بها فى وجود الطبيب لم تتعرف الزوجة عليه وهنا كانت مأساته ، فاتجه إلى الطبيب الذي هدّأه بقوله : اصبر إنها ستتحسن وتخضع لعلاج مركز .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت الأيام وعلاء يتردد على المستشفى ويتابع تقارير حال زوجته ويوماً ما أخبره الطبيب أن زوجته بحال طيبة ويمكن أن تسترد وعيها بهدوء وتلقائية ، وسوف تعود لحالتها الطبيعية أحسن مما كانت عليه .
كانت سعادة علاء لا حدود لها وهو فرح لعودة زوجته إلى صحتها ويحلم بعودة كل الأمور إلى طبيعتها ، ومن الساعة الثالثة كان علاء فى المستشفى يتجول فى انتظار الموعد .
وصل الطبيب واستدعى الممرضة وجلس علاء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فحضرت الزوجة بصحبة الممرضة ووقفت أمام الطبيب ودار حوار سريع بينما أشار الطبيب لعلاء ، فتقدم إلى زوجته التى لم تتماسك نفسها من البكاء وارتمت فى حضن زوجها وهى تبكى … علاء … علاء .. ، وهو يهدهد بيديه كتفيها قائلاً : زوجتي … زوجتي .. واصطحبها إلى البيت .
جلس الزوجان فى البيت يستعيدان الذكريات بينما طُرِق البابُ ولما فتح الزوج كانت الممرضة ذات القلب الطيب تحمل طفلة جميلة ……….
تلقاها الزوجان بالفرح والسعادة والتهليل وبينما كانت الزوجة تنهال بالتقبيل علي الطفلة بدأت الممرضة تحكى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
… في أحد الأيام من عامين تقريباً سيدة كبيرة بصحبة زوجتك عرفتك عرفنا أنها أم زوجتك أحضرت ابنتها وتم حجز الابنة بينما خرجت هي وبعد حوالي ثلاث ساعات حضرت إلي المستشفي جثة قد دهستها سيارة مسرعة شهادة الشهود أكدت أنها المخطئة وأنها كانت تسير بدون وعي .
وأين طفلي صاح علاء وقالت الممرضة ” طفل ” لم نسمع عن طفل .
مرت ثلاث أيام والأسرة العائدة من الضياع تعيش مشاعر متناقضة بين السعادة لجمع الشمل والحزن لفقد الطفل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دق الباب ولما فتحت الزوجة شاهدت رجلاً لم تعرفه سألها عن علاء نادت علي زوجها ولما حضر علاء حضن كل منهما الآخر قال الضيف قال الضيف .
– حضرت ثلاث مرات ولم أجدك أين كنت ؟
– يا صاحبي كنت أبحث عن زوجتي وطفلي ووجدت زوجتي … ونظر إلي زوجته وقال لها :
هذا نعم الصديق لقد أخذني من الشارع بين الموت والحياة وعالجني و….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الزوجة تنظر إلي الرجل نظرة شكر وعرفان وقالت لن ننس لك ما صنعت طيلة العمر
بالغ علاء في الترحيب بصاحبه التاجر أحمد العلاف الذي أخرج مبلغاً من النقود وقال : هذا حقك يا علاء لقد كنت تعمل معي وكنت أدخر لك أجرك فرحت الزوجة وفرح علاء وقال لأحمد :
أنا لا أفهم شيئاً في التجارة وهذه النقود سوف تضيع مني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سوف نعمل معاً كما كنا وسوف أقف بجوارك صاحت الزوجة بارك الله فيك يا حاج أحمد وراحت تدعو له بالصحة والعافية .
بدأ علاء مع الحاج أحمد يعملان في تجارة الملابس وبدأ عملهما يتسع والمكسب يزداد وبعد فترة افترق الصديقان كل في بلده يتراسلان أحياناً حتى انقطعت أخبار الحاج أحمد العلاف .
مرت ثمانية عشر عاماً علي تلك الحادثة ( عودة علاء إلي زوجته ) وصار لعلاء شأن كبير ومحل كبير وكانت ابنته قد التحقت بالجامعة بإحدى الكليات خارج المدينة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان نجاح علاء في التجارة قد سبب له عداوة مع بعض التجار رغم أن علاء كان طيب القلب ، لكن حرصه علي النجاح جعله يظهر أمام البعض وكأنه يعادي لهم فدبروا له مكيدة عن طريق أحد صبيانه .
وفي أحد الأيام كان علاء قد جمع أموالاً كثيرة لشراء قطعة أرض كبيرة بل جمع عليها من بعض الناس ووضع المبلغ كله في خزينة المحل وهنا انتبه ذلك الصبي وراجع كل شيء وفي جزء من الثانية أحدث هذا الصبي ماساً كهربياً مما أدي إلي حريق هائل في المحل بل أن هذا الصبي نفسه لم يستطع الخروج واحترق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادت حياة علاء إلي الفقر مرة أخري وكان دائماً يفوض أمره إلي الله قائلاً ( حسبي الله ونعم الوكيل ) .
في يوم ذهبت ابنته كعادتها إلي الكلية فقابلت إحدى صديقاتها وكانت صديقتها تمسك صورة لها مرسومة بالفحم رائعة فقالت لها أمل : أريد صورة لي كهذه .. من رسمها لك ؟ أجابت صاحبتها : أخرس يسكن جوارنا ، هنا أعطتها أمل الصورة وطلبت منها أن تذهب إليه بالصورة ليرسمها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحينما شاهد الفتي الأخرس تلك الصورة شده شيء غامض لها فطلب منها بالإشارة أن تأتي هي بنفسها صاحبة الصورة وأشار لها علي ملامح الصورة ففهمت وذهبت إلي أمل قائلة لها : إنه يريد يريدك أنت لأن الصورة غير واضحة .
ترددت أمل في الذهاب إلي الرسام ولكن صاحبتها أكدت لها أنه ذو خلق رفيع وأنها ستكون معها وأمام الرسام أصابتها الدهشة كان الرسام الأخرس ينظر إليها بعينين حائرتين لم يشر لشيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما كان يحدق فيها وكانت هي تري فيه الملامح الكبيرة بينه وبين أبيها وبدأ يرسم وكأنه في حالات كثيرة تراه أباها .
انتهي من الرسم ولم يأخذ منها أي مبلغ بل أصر وهي لم تبدي اندهاشا لذلك وأسرعت إلي أبيها وأخبرته لكن أباها استبعد أن يكون ذلك الأخرس ابنه الذي فقده يوماً ما ويردد يخلق من الشبه أربعين .
كلما نامت جاءها الأخرس في المنام ملوحاً لها بإشارات لم تفهم معناها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصباح أصرت أمل علي أن يذهب معها أبوها وأمها ولم تجد صعوبة في إقناعهما وأمام الرسام تحركت مشاعر الأمومة والأبوة كادت الأم تعانق الرسام بينما حاول علاء أن يفهم الرسام أنه أبوه كان التشابه بينهما مثيراً للانتباه .
ومع تلك الأصوات من الأب والأم والفتاة والأخرس فتح الباب الداخلي رجل بدين سلم عليهم قائلاً : أهلاً وسهلاً .
علاء … حضرتك والد الأستاذ . ؟
الرجل … سؤال غريب نعم ابني !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاء … معك غيره ؟
الرجل هو حيلتي من الدنيا .
عادت الأسرة حزينة وما زال في قلب الأب والأم إحساس أن الرسام هو طفلهما الذي ضاع .
ولما ذهب علاء إلي النوم . رأي أنه في ” مولد ” رأي طفلاً مع أمه وأبيه كان شاب يرسم نقوشاً علي أجساد الأفراد فرأي في الحلم أنه وزوجته يدقان علي قدم الطفل حروفاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصباح حكي لزوجته ما رآه في المنام وهنا فزعت الأم وانخرطت بصوت عال نعم وجدت ذلك تذكر ألم نكتب علي قدم الطفل أتذكر تلك الحروف .
( ع – ء – ل – ا – ا– ج – ء – ر ) .
صاح علاء ابني ابني وخرج إلي الرسام .
دق باب الرسام فتح الرجل فلما رآه ارتبك وظهر الغضب علي وجهه وصاح ، ماذا تريد .؟
- أريد ابني .
- أنت مجنون ! أنا سأطلب الشرطة حالاً .
- أطلب الشرطة بل سأذهب معك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذهب الاثنان إلي الشرطة وهناك كان اللقاء أسرع مما يتصور علاء فقد سأل الشرطي كليهما سؤالا واحداً من معه أوراق رسمية تثبت أن الأخرس ابنه ؟ أخرج الأب الوهمي شهادة ميلاد الأخرس وبينما وقف علاء يحكي الظروف التي مر بها هو وزوجته إذ بالضابط يأمر بخروج الأب الوهمي وهو يقول نعم أنت أبو الأخرس وعلي المتضرر اللجوء إلي القضاء كانت شهادة الميلاد صحيحة وليست مزورة .
في ساحة المحكمة دوي صوت ” محكمة ” .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل القاضي والمستشار ووكيل النيابة بينما وقف علاء والأب الوهمي والزوجة والأخرس وتطلعت العيون إلي القاضي الذي بدأ يسأل .
كانت المحكمة قد أتت بخبير للغة الخرس ليتعامل معه أثناء مداولة ومناقشة القاضي له .
- أنت والد الأخرس ؟
- قال نعم والأوراق أمامك تثبت .
فسأل علاء وأنت ؟
قال علاء : أنا أبوه ولكني حكيت في محضر الشرطة الظروف التي مررت بها أنا وزوجتي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي : حدد بأوراق رسمية أو شهود أو أدلة كافية ، هل أنت والد الأخرس ؟
صمت علاء وفجأة قال نعم عندي شاهد .
القاضي من ؟ أين هو ؟
قال سوف أحضره .
قال القاضي تؤجل القضية لحين حضور شهود الإثبات إلي 15 من الشهر القادم .
مرت أيام قليلة والأب يفكر في شهادة الشهود .
ليس أمامه إلا التاجر ونجح في تذكر عنوانه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فسافر إليه وقد اشتاق له وطرق الباب لكن فتح له شاب أنيق في العقد الثالث من عمره .
فسأله الحاج أحمد العلاف موجود ؟
رحب به الشاب ثم أخبره بأن الحج أحمد قد توفي منذ فترة .
هنا حزن علاء حزنا كبيرا حزن لأن صاحبه مات الذي أنقذه قديما من الموت ورد له المال وحزن ولأنه
علق عليه الآمال في إثبات أن الأخرس ابنه .
كان يبكي فسأله الشاب أنت تعرف أبي ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال علاء تذكر يا ولدي ذلك الغريب الذي أتي عندكم وكان فاقد الذاكرة وأخيرا عادت إليه ذاكرته من عشرين عاما ، هل تذكر ذلك ؟
هنا صاح الشاب : نعم أذكره فيه ملامح منك ، فقال علاء أنا ذلك الرجل . !
حكي علاء قصته للشاب ووعد الشاب أن يذهب إلي المحكمة حسبما طلب منه علاء .
أخيرا علاء ذلك الشاب بموعد الجلسة والمكان وانصرف إلي المستشفي ليأخذ من الأوراق الرسمية ما يثبت أن زوجته في ذلك الوقت كانت محجوزة للعلاج من مرض عصبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجاء يوم المحكمة وصاح الحاجب ” محكمة ” .
كل شيء تم ما سبق في المرة الأولي ، سأل القاضي علاء أحضرت الشهود ؟ صاح نعم ، من ؟ قال هذا الشاب وبعض المستندات . القاضي ما اسمك وعنوانك ؟
الشاب : أسامة أحمد العلاف ، 30 سنة ، تاجر
القاضي : ماذا تعرف عن هذا الرجل ؟
الشاب لقيه والدي بين الموت والحياة وأسرع به إلينا وتم علاجه وجلس بيننا فاقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للذاكرة ومن عشرين عاما عادت إليه ذاكرته فتركنا وسافر .
القاضي : كم كان عمرك حين جاء إليكم ؟
الشاب حوالي ثماني سنوات .
القاضي أتذكر أحداثا من عشرين سنة !
سبحان الله تفضل استرح . تسقط شهادته
القاضي … أيو يا علاء فين المستندات ؟
علاء … أخرج المستندات وتقدم بها إلي سيادته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الأوراق تؤكد دخول زوجته إلي المستشفي وهي حامل تعاني من أمراض نفسية ووضعت هناك وأن أمها ماتت في حادثة في نفس اليوم وكل الأدلة الخاصة بالطفل مع الأم التي ماتت في الحادث .
القاضي … لا يوجد يا سيد علاء في الأوراق ما يثبت أن الأخرس ابنك !
فهل معك دليل واحد يكفي .
صاح علاء نعم :
نعم معي دليل واحد .
القاضي ما هو ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : أرجو من هيئة المحكمة أن تكشف علي قدم الأخرس فلقد قمت أنا وزوجتي بدق حروف أسمائنا متفرقة علي قدمه وهو صغير .
أشار القاضي إلي المترجم الذي طلب من الأخرس خلع الحذاء والجورب .
كانت المفاجأة للجميع نعم هناك حروف العين ـ الجيم ـ الراء وهناك حروف ضائعة .
القاضي :
قررت المحكمة تحويل الموضوع إلي الطبيب الشرعي لفحص وتحديد الحروف وتأجيل القضية إلي جلسة 15 من الشهر القادم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء التقرير يؤكد أن الحروف تشابه حروف الأب والأم .
لكن القاضي قرر أن تشابه الحروف ليس دليلا كافيا علي إثبات نسب الأخرس وإليه قررت رفض الدعوى شكلا ومضمونا وردت الأخرس إلي أبيه الوهمي .
عاد علاء إلي بيته حزينا ثم خرج إلي أحد المحامين المشهورين بالبراعة وجلس إليه وحكي له كل شيء . بعد صمت قال المحامى :
- أنت متأكد أن الأخرس ابنك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- نعم
- كيف وصلت إليه ؟
- لا أعلم .
- حاول تفتكر فى الوقت الطفل كان فين ؟
وبعد حوار طويل عرف المحامي خلاله صدق علاء ووعد بسرعة التدخل .
تقدم المحامي بدعوى إلي المحكمة لطلب الكشف علي الزوجين الوهميين ووافقت المحكمة علي طلب المحامي .
جاء تقرير المستشفي أن الزوجين الوهميين لم ينجبا أبدا فهما مصابان بالعقم !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صاح القاضي للأب الوهميمن أين أي هذا الطفل ؟
قال الأب الوهمي وهو حزين مطرق الرأس باكيا سأحكي لكم القص من أولها إلي نهايتها .
يوما ما ذهبت إلي بلد غير بلدي لأفتتح معرضا وبعد يومين هناك في الصباح الباكر
فوجئت بامرأة معها طفل صغير ومعها شابة مرهقة ومتعبة .
طلبت مني بقاء الطفل معي بعد أن علمت أني جارهم الذي سكنت منذ يومين وانصرفت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علمت بعد ذلك أنها ماتت في حادث بالقرب من المستشفي .
فرحت أنا وزوجتي وعدنا مسرعين إلي بلدنا ومعنا الطفل وقمت بتحرير شهادة ميلاد له .
كان عمر الطفل عشر سنوات حين لاحظته يعتني بالفرشاة واللوحة ورأيت فيه موهبة الرسم فساعدته في ذلك .
خاصة أنه أخرس ولن يذهب إلي المدرسة .
وهذه هي القصة وراح يبكي بصوت عال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي : قررت المحكمة نسب الطفل الأخرس إلي أبيه الحقيقي وشطب شهادة ميلاده وتحرير شهادة ميلاد أخري له .
كانت السعادة لا حد لها لدي علاء وزوجته وابنهما بعودة الأخرس إليهما .
بينما كان الأخرس صامتا مندهشا لا يعلم ماذا يدور في الجلسة من حوله .
كان الأب الوهمي جالسا رأسه يتدلي فوق بطنه وظن الجميع أنه يبكي ولما اقتربت منه زوجته صرخت صرخة مدوية زوجي .. زوجي
فقد لفظ أنفاسه الأخيرة ومات بالسكتة القلبية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهم الأخرس بإشارات من المترجم كل ما يحدث حوله .
عاشت الأسرة سعادة كبيرة بينما كان الأخرس يحس بحزن كبير لموت ذلك الرجل الذي نشأ في أحضانه وتربي علي يديه وذات يوم جاءت أخته إليه ومعها صاحبتها .
أشار الأخرس إشارات فهمتها الصاحبة وقالت إنه يريد الزواج مني .
سأخبر والدتي ولا أدري هل توافق أن أتزوج من أخرس ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست الفتاة إلي أمها وأخبرتها أن الرسام الذي كان يسكن بجوارنا يريد الزواج منى فثارت الأم وغضبت وقالت كيف تتزوجين من الأخرس هذا ؟
قالت ابنتها إنه يحبني . إنه فنان موهوب وأنا لا أخفي عليك أحبه . قالت الأم فليحضر أبوه وأمه لنتناقش معا .
في المساء أعدت الممرضة وابنتها المكان لاستقبال الضيوف ولما حضروا كانت المفاجأة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكبرى فقد تعرفت عليهم إنه الرجل الذي عاد وتسلم زوجته منذ فترة وهذه الفتاة التي كنت أربيها .
وأعدتها إليهم لقد قامت الممرضة برضاعة تلك الابنة هنا أحست الأم الممرضة أن ابنتها ترغب في الأخرس ولقد اقتنعت الأم بالأسرة وبشخصية الأخرس وقالت علي بركة الله .
وأخيرا عرفت هذه الأسرة سعادة حقيقية وبدأ الأخرس يعيش كل السعادة .
انتهت القصة
تمت طباعة هذا العمل عام 1998 م برقم إيداع 3989 / 98 الروائي عايد حبيب جندي الجبلي
وإلي لقاء آخر مع قصة أخري بعنوان ( هكذا …. جعلني المجتمع ) في القريب العاجل إن شاء الله