الأسباب التي تؤدي إلي الفتور
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد إن من الأسباب التي تؤدي إلي الفتور في العبادة بين العبد وربه هو الجهل بما أعده الله تعالى للمتقين من الجنان، أو تجاهله أو نسيانه أو عدم مذاكرته بين الحين والآخر، فإذا ما وقع الإنسان في شيء من هذا، فتر عن العبادة، وتكاسل عنها لأنه فطر على التعلق بالشكر وطلب الجائزة على المعروف، وقد هيأ الله ذلك لعباده إلى حد لا تتصوره أذهانهم، ولا يخطر على بالهم ” هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ”
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” قال الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم ” فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ” غير أن فئة منهم تباطئوا الثواب أو غفلوا عنه، فماتت أحاسيس الرغبة فيه وضعفت الهمة في طلبه، والسبب الثالث هو إستبعاد العقوبات الدنيوية والإستهانة بالعذاب الأخروي، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب، وهذا السبب قسيم لسابقه، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على أمرين، الرجاء في ثواب الله والخوف من عقابه، فإذا ما إستبعد المسلم حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه، أو خطيئة إرتكبها تمادى في طريقها غير مبال بنتائج هذا الفعل، ويقول بعض السلف ” إنني أجد أثر المعصية في أهلي ودابتي ” وإني لأعجب حقا من عدد من الناس يعيشون في حياتهم ضيقا ونكدا.
وهما وغما، ونفرة وإضطرابا، وقد خلت بيوتهم من سماع القرآن وتلاوته وجفت ألسنتهم من الذكر والدعاء، لا تعرف منازلهم النوافل ولا يتراحمون بالتناصح، بل طلبوا السعادة في غير مظانها ولهثوا خلف سراب التقليد ففتروا عن الخير، وتباطئوا عن الخيرات وسارعوا إلى الشهوات والملذات، فأي ثبات على الحق يبقى وقد أمن أولئك مع إنحرافهم عن جادة الدين العقوبة التي حلت بغيرهم، فهل ينتظرون أن تحل بهم، أما الغفلة عن عذاب الآخرة، أو الإستهانة به، فهو رأس الداء، وصميم البلاء، إن الواحد منا ليستمع من بعض هؤلاء مقولات تقشعر منها الأبدان، فمن قائل إن هي إلا ساعات في النار، ثم نخرج منها ومن قائل إنما هو عذاب روحي ومعنوي ليس إلا، بل استمعت لبعضهم يقول الموتة واحدة ولا حساب ولا عقاب وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
وإلا فأين هؤلاء من قول الله تعالى ” إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ” فيا أيها المسلمون بمحبة الله والخوف من عذابه، والرجاء في ثوابه نجا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “لو نادى منادي من السماء أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا، لرجوت أن أكون هو” ولما قرأ الفاروق رضي الله عنه سورة الطور فبلغ قوله تعالى ” إن عذاب ربك لواقع ” بكى وإشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه، بل حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين، وكان يقال له “مصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، فيقول “وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر”
ولما وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه على القبر فبلّ البكاء لحيته قال ” لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير” فلنضع الثواب أمام أعيننا لننهض إلى العبادة ونجد فيها، ولنضع العقاب نصب أعيننا لنصون أنفسنا من الوقوع في المعاصي.