محمود سعيد برغش
يقول تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142].
الفارق بين الإخلاص وبين عدم الإخلاص كلمة أو نظرة، والفارق بين حبِّ الطاعة وحبِّ التملك كلمة، في حياة الصالحين كانت هناك حالات جميلة، كان أحدهم عندما يستشعر أن نفسه تهيج عليه يبحث عن مكان مظلم حرّ أشبه بالقبر، ويدخل في هذا المكان الذي هو في حجم القبر وفي صورته، ويغلق على نفسه القبر، ويمكث في هذا القبر المظلم ساعة أو ساعتين أو ثلاثا، فيظهر لنفسه مآلها بعد الموت، هذا هو مستقرّك، ذوقي ظلمة البر أيتها النفس، تأمّلي أيتها النفس الأمارة بالسوء وحشة القبر.
انظر إلى من دونك تكن أغنى الناس
كل ما يشعر الإنسان أنه شيء، أو أنه أفضل من غيره، فينزل نفسه إلى المراتب الدنيا، وينظر إلى من دونه، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “- انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم ، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم” ( )، فعندما ينظر الإنسان إلى من دونه يتذكر نعمة الله تعالى عليه، ولو أن الإنسان أدى عمله، واستشعر بعد أن أدى هذا العمل أن الشيطان كان له فيه نصيب مفروض لا بد أن يعيد هذا العمل.
فلو صليت ركعتين ولم تذق فيهما حلاوة الإيمان، فاعلم أن الشيطان قد ضيّع منك الصلاة، وأنّك قد سلّمت نفسك له، فوجب عليك أن تعيدها مرة ثانية للتخلص من علامات النفاق التي ظهرت عليك أثناء الصلاة إلى علامات الإخلاص التي لا زلت أبحث عنها.
الإخلاص
إن الإخلاص شأنه عظيم، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال الله تعالى: “أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”( )، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: “من سمَّع سمّع الله به، ومن راءى رَاءَى الله به”( ). وهذا وجب على كل مسلم أن يخلِّص كل عمله لوجه الله تعالى وحده، وأن يطهر قلبه من كل شائبة تشغله عن الله تعالى خاصة أثناء تأدية الطاعات.
الإخلاص في العبادة
العبادة مبنية على الإخلاص، والإخلاص مبني على اليقين، والإخلاص هو أساس كل العبادات والأعمال، وطالما تحدث عنه القرآن الكريم في كثير من الآيات.
يقول تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: 29].
وقال عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 2، 3].
ويقول تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 11 – 14].
وقال عز وجل: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14].
ويقول تعالى: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 65].
وقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: 8 – 12].
وقال عز وجل: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: 14 – 21].
ويقول عز وجل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»( ).
وعن جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ»( ).
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»( ).
وَلِلتِرْمِذِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
الإخلاص والنفاق