التفرقة بين المسلمين
التفرقة بين المسلمين
بقلم / محمــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد إن أعظم نعمة أنعم الخالق سبحانه وتعالى على المخلوق بها هي هدايته إلى الإسلام الخالص، وهذه النعمة تستوجب الشكر الجزيل، ومن شكرها هو الثبات عليها مهما ادلهمت الخطوب، وتبهرجت دواعي الإغراء والترغيب، ولكن ما هو الحق الذي يجب على الإنسان أن يثبت عليه؟ وهو إن الحق الذي يطالب كل إنسان بالثبات عليه هو دين الإسلام الصافي الذي جاء به رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام من عند ربه تعالى، وبلغه أصحابه إلى الناس بعده، وهو تصديق وانقياد، وعمل واعتقاد، وفهم وسلوك، فالحق ما كان عليه رسول الله وأصحابه.
فمن خالف ذلك فليصحح ما هو فيه على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وإن موضوع الثبات على الحق موضوع ذو أهمية كبيرة ولهذا تحدث عنه القرآن الكريم على صور شتى فأحيانا بالدعاء به، وأحيانا يبين بعض أسباب الثبات على دين الله كالعمل بالموعظة والاستجابة لها بتنفيذ الأوامر والنواهي، وأحيانا يذكر نماذج للثابتين ممن سبقونا على طريق الإيمان من الأنبياء وأتباعهم، فذكر لنا قصة إبراهيم عليه السلام وكيف ثبت على الحق حتى ألقي في النار، فكانت عليه بردا وسلاما جزاء ثباته وتضحيته، وذكر لنا قصة موسى عليه السلام أمام فرعون وملئه وكيف نجاه الله من فرعون وجنده، وذكر لنا ثبات سحرة فرعون بعد أن رأوا الحق فاستمسكوا به وثبتوا عليه مع وعيد فرعون وتهديده.
وذكر لنا ثبات أصحاب الأخدود الذين لم ترهبهم النار ذات الوقود وغير ذلك من حديث الثابتين في القرآن الكريم، وإن من أول ما دعا إليه الإسلام عدم التفرقة بين المسلمين فقيرهم وغنيهم، عربيهم وعجميهم، ولم يفضل أحدا على أحد إلا بالتقوى قال تعالى “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير” وما من مكان يتجلى فيه هذا القانون الاجتماعي بصورة جلية مثل المسجد، إذ يقف الجميع في صف واحد في الصلاة، وقد ذابت وانصهرت جميع الفوارق التي تميز بعضهم عن بعض، وإن وحدة المجتمع الإسلامي وتكاثفه وقوته مستمدة من عدة أمور، منها عدم التفريق بين الأجناس والطبقات والأعمار، لذا أصبح هذا المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وليس هذا في الصلاة فحسب، بل حتى في المعاملات الشرعية والشخصية، والاجتماعية في الحياة، وإن المسجد هو المكان الطبيعي الذي يجمع المسلمين لغرض واحد، وبنية خالصة خلف إمام واحد، لا يتخلفون عليه، هذا الاجتماع الذي يوحي بالتآلف والوحدة هو السبيل إلى السيطرة على طبائع النفوس ونزعاتها، فبداخل المسجد يتربى المسلم على تطهير نفسه، وتصحيح عقيدته في القرب من ربه، سرا وعلانية، وفي داخل المسجد يتربى المسلم على الاتصال بإخوانه المسلمين والسؤال عنهم، وتقوية الروابط الاجتماعية بينه وبينهم، مما يجعله يهتم بجميع شؤونهم، وفي اجتماع المسلمين في المسجد يشعر الجميع بالقوة والانتماء للجماعة مما يجعل الفرد منهم يشعر بالطمأنينة.
ويحس بالراحة النفسية والكرامة والأمان، ويتجسد خارج المسجد هذا الشعور الاجتماعي في تعامل المسلمين وتفاعلهم في شكل أمة واحدة، بفعل ما اكتسبوه من القيم والفضائل في المسجد، وإن اعتياد المسجد والتردد عليه ينعكس على سلوك الفرد في مجتمعه، وبذلك يحمل الفرد المسلم في دخيلة نفسه روح الجماعة التي يقف معها بين يدي الله مما يجعله يسعى إلى الحفاظ على كيان المجتمع الذي هو جزء منه، وما الأمة إلا تلك المجتمعات المكونة من الأفراد.
التفرقة بين المسلمين