الحضارة ورسالتها الإنسانية
الحضارة ورسالتها الإنسانية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 3 مايو 2024
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، قيل أن الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي وتتألف الحضارة من العناصر الأربعة الرئيسية، وهم الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، ولاطراد الحضارة وتقدمها عوامل متعددة من جغرافية واقتصادية ونفسية كالدين واللغة والتربية، ولانهيارها عوامل هي عكس تلك العوامل التي تؤدي إلى قيامها وتطورها، ومن أهمها هو الانحلال الخلقي والفكري، واضطراب القوانين والأنظمة، وشيوع الظلم والفقر، وانتشار التشاؤم أو اللامبالاة.
وفقدان الموجهين الأكفاء والزعماء المخلصين، وإن قصة الحضارة تبدأ منذ عرف الإنسان، وهي حلقة متصلة تسلمها الأمة المتحضرة إلى من بعدها، ولا تختص بأرض ولا عرق، وإنما تنشأ من العوامل السابقة التي ذكرناها، وتكاد لا تخلو أمة من تسجيل بعض الصفحات في تاريخ الحضارة، غير أن ما تمتاز به حضارة عن حضارة إنما هو قوة الأسس التي تقوم عليها، والتأثير الكبير الذي يكون لها، والخير العميم الذي يصيب الإنسانية من قيامها، وكلما كانت الحضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نزعتها، خلقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها، كانت أخلد في التاريخ، وأبقي على الزمن، وأجدر بالتكريم، وإن من وسائل التربية الذاتية هي محاسبة النفس، وذلك بأن يحاسب الإنسان نفسه قبل العمل وأثناء ه وبعده، وأن يداوم على محاسبة نفسه في كافة جوانب حياته.
فالمحاسبة هي التي تعرف الإنسان بعيوب نفسه وجوانب ضعفها، وهي التي تعينه على علاجها، وكذلك أيضا العزلة الشرعية وهي أن يكون للشاب حظ من الوقت يخلو فيه بنفسه، ويقبل فيه على الله عز وجل فيقول ابن القيم رحمه الله، ألا يقطع عليك طريق السير والطلب إلى الله جل وعلا مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك وتوجهك وجمعيتك على الله فتكون قد آثرته على الله وآثرت بنصيبك من الله ما لا يستحق الإيثار، فيكون مثلك كمثل رجل سائر على الطريق لقيه رجل فاستوقفه وأخذ يحدثه ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق الساعي إلى الله عز وجل فإيثارهم عليه عين الغبن وما أكثر المؤثرين على الله غيره، وما أقل المؤثرين الله على غيره، وكذلك الإيثار ما يفسد على المسلم وقته قبيح أيضا مثل أن يؤثر في وقته ويفرق قلبه في طلب خلقه.
أو يؤثر بأمر قد جمع همه، وأمره إلى الله ليفرق عليه قلبه بعد جمعيته ويشتت خاطره، وهذا أيضا إيثار غير مشروع، وكذلك الإيثار باشتغال القلب والفكر في مهمات الخلق ومصالحهم التي لا تتعين عليك، على الفكر النافع واشتغال القلب بالله ونظائر ذلك لا تخفى، بل هو حال الخلق والغالب عليهم، وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ومحاسبة نفسك مع الله فلا تؤثر به إنما تؤثر الشيطان على الله وأنت لا تعلم” إذن فمهما كنت في ميدان من ميادين الخير، سواء في ميدان أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، أو ميدان تعليم علم، أو ميدان جهاد في سبيل الله، فلابد أن يكون لك نصيب ولو كان يسيرا تخلو فيه مع الله عز وجل، فتتلو فيه كتاب الله عز وجل وتتدبره، وتقوم الليل أو تصوم، فهذا زاد لك يعينك على هذا العمل الذي تفرغت له.