الدكروري يكتب عن الخروبي في حياة ابن حجر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن الإمام ابن حجر شهاب الدين أبو الفضل العسقلاني، وقيل أنه بعد وفاة زكي الدين الخروبي سنة سبعمائة وسبعة وثمانون من الهجرة، وكان هو وصي الإمام ابن حجر في مكة، فقد انتقل الحافظ إبن حجر إلى وصاية شمس الدين بن القطان، وكان الحافظ حينها قد راهق حيث بلغ أربع عشرة سنة، وكان ابن القطان فقيها وعالما بالقراءات، فدرس ابن حجر عليه الفقه والعربية والحساب وقرأ عليه شيئا من الحاوي الصغير، فأجاز له ثم درس ما جرت العادة على دراسته من أصل وفرع ولغة ونحوها وطاف على شيوخ الدراية، وفي سنة سبعمائة وتسعون من الهجرة، أكمل ابن حجر السابعة عشرة من عمره، فقرأ القرآن تجويدا على الشهاب الخيوطي، وسمع صحيح البخاري.
على بعض المشايخ، كما سمع من علماء عصره البارزين واهتم بالأدب والتاريخ، ولما بلغ التاسعة عشرة من عمره، نظر في فنون الأدب، ففاق أقرانه فيها حتى لا يكاد يسمع شعرا إلا ويستحضر من أين أخذ ناظمه، وطارح الأدباء، وقال الشعر الرّائق والنثر الفائق، ونظم المدائح النبوية والمقاطيع، ثم حبب إِليه فن الحديث فَأقبل عليه سماعا وكتابة وتخريجا وتعليقا وتصنيفا، وبدأ الطلب بنفسه في سنة سبعمائة وثلاثة وتسعون من الهجرة، غير أنه لم يكثر من الطلب إلا في سنة سبعمائة وستة وتسعون من الهجرة، وكتب بخطه عن ذلك قائلا “رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل” فأخذ عن مشايخ ذلك العصر، واجتمع بالحافظ العراقي، فلازمه عشرة أعوام.
وتخرج به، وانتفع بملازمته، وقرأ عليه الألفية، وشرحها، وانتهى منهما في رمضان سنة سبعمائة وثماني وتسعون من الهجرة، بمنزل شيخه العراقي بجزيرة الفيل على شاطئ النيل، كما قرأ عليه النكت على ابن الصلاح، في مجالس آخرها سنة سبعمائة وتسع وتسعون من الهجرة، وبعض الكتب الكبار والأجزاء القصار، وقرأ وسمع على مُسندي القاهرة ومصر الكثير في مدة قصيرة، فوقع له سماع متصل عالي لبعض الأحاديث، وقد ذكرت العديد من المصادر التي ترجمت للحافظ ابن حجر أنه كان شافعي المذهب، وله مؤلفات فقهية في المذهب الشافعي، منها شرح الروضة في الفروع للنووي، وقد اختصر ابن حجر الروضة، ثم شرحه، وقد ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون.
وذكر الكتاني أنه انتقل في آخر حياته إلى المذهب المالكي، وقال الكتاني ومن الغرائب التي تتعلق بترجمته ما في ثبت الشهاب أحمد بن القاسم البوني، أن الحافظ انتقل في آخر عمره لمذهب مالك قال كما رأيت ذلك بخطه في مكة المكرمة، ثم استدرك قائلا ولعل رجوعه في مسألة أو مسألتين، وكان ابن حجر يجتهد ويُرجح بعض الأقوال الفقهية حتى لو كانت مخالفة لمعتمد المذهب الشافعي، ويظهر ذلك في كتابه فتح الباري، مثل ترجيحاته في مسألة عدد من تنعقد بهم الجمعة، ومسألة الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، وقراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة، ومسألة سجود السهو وموضعه قبل السلام أو بعده، وغيرها من المسائل.