الدكرورى يكتب عن النبي في رعاية عمه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكرورى يكتب عن النبي في رعاية عمه
إن طمأنينة النفس وراحة الضمير وسعادة الفرد والمجتمع لا تنبع إلا من خلال قيم وأخلاق حميدة، ينبغي أن تمارس سلوكا في الحياة في السراء والضراء وعند اشتداد الفتن وكثرة المشاكل واحتدام الصراعات فالأخلاق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأنها فطرة الله عز وجل التي فطر الناس عليها ودين أمر الله بإقامته، وربطها بالأجر والثواب والخيرية والفلاح في الدنيا والآخرة، وإن الأمانة من هذه الأخلاق، بل هي أعظمها أهمية وأثرا في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ويوم أن فقدناها رأينا الخيانة، والتساهل والتقصير والتهرب من المسئولية، والغش والتحايل، والظلم والفساد، والبغي في أخلاق الناس وسلوكياتهم، ففسدت الحياة، وساءت العلاقات بين البشر، وضعف الإنتاج ودُمرت دول ومجتمعات.
وعن عبد الله بن الزبير، أن أباه حدثه أن رجلا من لهب، ولهب قبيلة من أزد شنوءة وكان عائفا، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم، قال فأتى به أبو طالب وهو غلام، مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال الغلام علي به، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول ويلكم، ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن، قال فانطلق أبو طالب، لقد بدأت الدعوة الجهرية بتبليغ قريش برسالة السماء وإيصال أمانة الله إلى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع به بنو هاشم ليسمعوا منه فكانت هذه المصارحة التي لا خفاء فيها ولا تلوين ولا أدنى مداهنة، حدثهم فأوجز ولخص المطلوب بعبارات يعجز البيان عن وصفها.
إذ قال صلى الله عليه وسلم لأهله “الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم قال إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا” ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية “وأنذر عشيرتك الأقربين” فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلا فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك.
وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس، فقال أبو طالب ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقا لحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به، فوالله ، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب، فقال أبو لهب هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب والله لنمنعه ما بقينا.