الدكروري يكتب عن الإفساد في الأرض
الدكروري يكتب عن الإفساد في الأرض
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن حب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهوله ووديانه، وحب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، وحب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، وحب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، وحب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، وحب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، وحب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير.
والقيام بمصالح العباد كل حسب مسؤوليته وموقعه، وحب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، وحب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه مسلم، وإن ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺒﻬﺎ ﻳﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻫﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ، ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻓﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﻜﺬﺑﺔ ﻷﻧﺒﻴﺎﺋﻬﻢ.
ﺇﻧﻤﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫﻢ ﻭﻫﻼﻛﻬﻢ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻭﺗﻜﺬﻳﺒﻬﻢ، ﻓﻜﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ تنسى ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺍﻷﺑﻮﻳﻦ ﻗﺪﻳﻤﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ ﺗﻨﺲ ﺫﻧﺐ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻭﺳﺒﺒﻪ ﺣﺐ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺷﺮّ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻛﻔﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﺟﻨﻮﺩﻫﻤﺎ، ﻭﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻗﻮﻣﻪ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻓﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺸﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ، وإن ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟُﻬﺎل ﻋﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ عن الدنيا الفانية، ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺸﻔﻮﺍ ﺳﻮﺀ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﺂﻟﻬﺎ.
ﺩﺭﺟﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻓﻔﺘﻨﺘﻬﻢ ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻠﺪﻭﺍ ﻭﺑﻬﺎ ﺭﺿﻮﺍ ﻭﻟﻬﺎ ﺍﻃﻤﺄﻧﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻬﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺍلله عز وجل ﻭﺷﻐﻠﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ، ﺇﻧﻬﻢ ﻧﺴﻮﺍ ﺍلله ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ قدرﻭﻩ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺮﻃﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، فقد ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍلله ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ، ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺳﺎﻭﺕ ﻋﻨﺪ ﺍلله ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻣﺎ ﺳﻘﻰ ﻛﺎﻓﺮا ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍلله ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﻠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ.
ﻭﺃﻥ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻖ ﺑﺈﺻﺒﻊ ﻣَﻦ ﺃﺩﺧﻞ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺟﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ، ﻭﺃﻣﺮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻏﺮﻳﺐ، ﺃﻭ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﻳﻌﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻣﺴﻰ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻭﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﺎ ﻳُﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻌﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﺭﻫﻢ، ﻭﺩﻋﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺲ ﻭﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ، ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻗﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﺮﺓ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻠﻮﺓ ﺃﻱ ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﺑﺨﻀﺮﺗﻬﺎ ﻭﺣﻠﻮﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺑﺤﻼﻭﺗﻬﺎ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺎﺗﻘﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﺍﻛﺐ ﺍﺳﺘﻈﻞ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺻﺎﺋﺐ، ﺛﻢ ﺭﺍﺡ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ، وإن الفساد فى الأرض أصبح ظاهرة خطيرة تصيب جميع مجتمعات العالم، النامية والمتطورة والمتقدمة منها على حد سواء، وإن كان بدرجات متفاوتة، ومن المؤسف أن معدلات الفساد آخذة في الازدياد، فضلا عن تنوع المجالات التي يلحقها>