الدكروري يكتب عن دور الأب في تربية الأبناء
الدكروري يكتب عن دور الأب في تربية الأبناء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الدراسات التي تناولت دور الأب في تربية الأبناء كثيرة، وأغلبها أكد أن مشاركة الأب في التنشئة بشكل فعال، مهمة جدا لاستقرار نفسية الطفل، بل إن الخلل فى العلاقة بين الطفل وأبيه كما أثبتت بعض الدراسات، قد يؤدي إلى نمو شخصية سلبية لا تشعر بجدوى المشاركة في الحياة الاجتماعية، وقد وُجدت دراسات عدة حول أثر قيام الأم بمفردها بعملية التنشئة داخل الأسرة، وأوضحت النتائج أن ذلك ينعكس بالسلب على شخصية الطفل بسبب عدم توازنها، وهو ما يظهر في غلبة السلوك الطفولي عليه حتى مع نموه في مرحلة المراهقة، وميله إلى الاعتماد على الآخرين والخضوع لهم، كما يؤدي أحيانا إلى العكس أي اتصاف الطفل بالسلطوية.
مع ملاحظة وجود فوارق بين الجنسين، وإن من أهم ما ينبغى أن يهتم به الوالد تربية ابنه تربية ثقافية، وعدم إهمال هذا الجانب أو نسيانه، لأن العالم المعاصر يحتاج ذوى الثقافات الخاصة والعالية، والثقافة هي مجموعة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها، والحقيقة أن العصر الذي نعيشه يتسم بأنواع كثيرة من الثقافات، ونحن نركز هنا على الأوعية الثقافية للطفل ودورها في تنمية ثقافته وتوعيته، ونستطيع أن نجمل أهم هذه الأوعية في أربعة أشياء وهم الأسرة، والمسجد، ودور العلم، ووسائل الإعلام، فالأسرة لها دور كبير وخطير فى توعية الطفل وتثقيفه ثقافة دينية، وثقافة تربوية وعلمية، وعلى الوالد أن يجلس مع أولاده.
بعض الوقت كل يوم، يلاعبهم ويعلمهم، ويبث فيهم معتقداته وأفكاره، ولا يتحجج أحد بأنه ليس لديه الوقت الكافي للجلوس مع الأولاد، لا بد أن يخصص لهم وقتا ولو قصيرا، لأنهم مسؤولون منه وفي الحديث “وإن لأهلك عليك حقا” فللمرأة وللأولاد على الرجل حق، ولا بد أن يعطيهم جزءا من وقته، وهذا ويقع على الأم العبء الأكبر فى هذا الموضوع، فهى الأقرب للأطفال، وهي التي تجلس معهم الوقت الأكثر، والمراحل الأولى من العمر خصوصا، ولذلك فقد اعتنى الإسلام بحسن اختيار الرجل زوجته، واختيارها على أساس الدين، وواجب على الأب أن يوضح للزوجة ما خفي عنها من الأمور، ويوفر لها الوسائل لتربية أبناءها وتثقيفهم.
ولقد كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة جامعة للدولة المسلمة، فكانت تقام فيه الصلوات ودروس العلم، وكان يتم التشاور فيه فى أمور المسلمين، فكان بمثابة مجلس النواب، وكان منه يخرج المسلمون للجهاد، وإليه يعودون، وكان يقابل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وفود الدول، ورسل الملوك والأمراء ويتسلم فيه رسائلهم، وكان يعقد المسلمون أفراحهم في المسجد، فكان المسجد مصدر حياة فكرية وثقافية للأمة، ولم يكن يمنع الأولاد من ارتياد المساجد، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته زينب وهي “أمامة” فيضعها حين يسجد ثم يحملها، ثم يضعها ثم يحملها وهكذا.
ويقول الإمام أبو حامد الغزالى رحمه الله “لا بأس بدخول الصبي المسجد إذا لم يلعب، ولا يحرم عليه اللعب في المسجد، ولا السكوت على لعبه، إلا إذا اتخذه ملعبا، وصار ذلك معتادا فيجب المنع منه، فهذا مما يحل قليله دون كثيره، ودليل حله ما روى في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفون يعني يسرعون، ويلعبون بالحراب فى المسجد يوم عيد، ولا شك أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ملعبا لمنعوا، ولم يرد ذلك على الندرة والقلة منكرا، وقد يحتج بعضهم بما رواه واثلة مرفوعا “جنبوا صبيانكم المساجد” وهو حديث لا يصح الاحتجاج به، لكونه ضعيفا يعارض الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة.