الدكروري يكتب عن صفية بجوار أخيها حمزة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت الروايات الإسلامية أنه لما استشهد أسد الإسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في أحد جاءت أم الزبير صفية بنت بعد المطلب لتنظر إلى أخيها وقد مثل به المشركون، فجدعوا أنفه، وبقروا بطنه، وقطعوا أذنيه ومذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابنها الزبير بن العوام ” القَها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها” فقال لها يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرك أن ترجعي، قالت ولم؟ وقد بلغني أنه قد مثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فلما جاء الزبير بن العوام رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، قال صلى الله عليه وسلم ” خلّ سبيلها ” فأتته، فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت، واستغفرت له.
وجاء في رواية عن عروة قال أخبرني أبي الزبير، أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال فكره النبي صلى الله عليه وسلم، أن تراهم، فقال ” المرأة المرأة ” قال الزبير، فتوسمت أنها أمي صفية، قال فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال فلدمت في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت إليك، لا أرض لك، قال فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزم عليك، قال فوقفت، وأخرجت ثوبين معها، فقالت هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فإذا إلى جانبه رجل من الأنصار قتيل، قد فعل به كما فعل بحمزة، قال فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والأنصاري لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب، وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر.
فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له، ولقد كان الزبير بن العوام رضي الله عنه نموذج فذ في تجسيد هذه المعاني، فقد تربى في أحضان الدعوة، على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقى الجرعات المطلوبة لتحمل أعبائها منذ شبابه الباكر، وإن موقف الزبير بن العوام رضى الله عنه، في غزوة الأحزاب يصور لنا شخصيته ونشأته على الجرأة والنصرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق ” من يأتينا بخبر بني قريظة؟” فقال الزبير أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية، فقال الزبير أنا، فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لكل نبى حوارى، وحوارى الزبير” ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم “وحواري الزبير” أي خاصتي من أصحابي، وناصري.
ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام، أي خلصاؤه وأنصاره، فالحواري هو الناصر المخلص، فالحديث اشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير رضي الله عنه، ولذلك سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه رجلا يقول أنا ابن الحواري، فقال إن كنت من ولد الزبير وإلا فلا، وقد فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب بأبيه وأمه، فعن عبد الله بن الزبير قال كنت يوم الأحزاب، جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت يا أبت رأيتك تختلف، فقال وهل رأيتني يا بني؟ قلت نعم، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟
فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبويه فقال ” فداك أبي وأمي” وهذا الحديث فيه منقبة ظاهرة للزبير رضي الله عنه، حيث فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبويه، وفي هذه التفدية تعظيم لقدره، واعتداد بعمله، واعتبار بأمره، وذلك لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه، فيبذل نفسه أو أعز أهله له.