الدكروري يكتب عن كسوة الكعبة المشرفة
بقلم/ محمد الدكروري
إن المال هو مال الله هز وجل، وأن يد الإنسان
عليه يد مستخلفة فيه، وأن الله سبحانه وتعالى جعلهُ قوام الناس، وأن الله سبحانه وتعالى نهى عن التبذير، وهو إنفاق المال في المعاصي ونهى عن الإسراف وهو إنفاق المال في المباحات، وهو بشكل يتجاوز الحد المعقول والحد الطبيعي، ولقد كان هناك عدة أقوال حول أول من كسا الكعبة المشرفة، وقد أختلفت الاقوال ودارت حول نبي الله إسماعيل عليه السلام، وعدنان بن أد، وهو الجد الأعلى للرسول صلى الله عليه وسلم، وأسعد الحميري، وهو تبع أبو كرب الحميري ملك اليمن ولكن القول الشائع لدى أغلب المؤرخين هو أن تبعا أول من كسا الكعبة المشرفة، ويقول العلامة أحمد عبد الغفور عطار “إن الشيء الذي اتفق عليه كتاب السير والمؤرخون أن أسعد ملك حمير هو أول من كسا الكعبة بعد أن زار مكة ودخلها دخول الطائفين”
وقال محمد طاهر الكردي “وقد اختلفوا في أول من كساها، فقيل نبي الله إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وقيل عدنان ابن أد، وقيل تبع الحميري، وهذا القول الأخير هو الشائع، وهو ما نذهب نحن إليه أيضا، ثم ذكر تعليله لترجيح هذا القول، فقال إن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام، لما بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل بناه بالرضم حجارة بعضها فوق بعض بدون جص ولا نورة، ولم يجعل لها سقفا ولا بابا يفتح ويغلق، بل جعل في جهتها الشرقية مكانا مفتوحا علامة على الباب، وعلى أنه وجه الكعبة، وكذلك لم يجعل عليها كسوة، والسبب في ذلك أولا وهو انه لم يؤمر بذلك، وثانيا هو انه من أين يأتي بالقماش أو الجلد أو الخسف أو الخصف والكثير في ذلك الزمن الذي لم يكن بمكة كلها سوى قبيلة من جرهم هذا ما نراه، والله أعلم.
فالشيء في ابتداء الأمر يقع على الفطرة، ثم يأخذ في التحسين تدريجيا شيئا فشيئا، هذا هو سنة الكون، والقصد من تغطية الكعبة بالكسوة تكريمها وتجميلها، وثم قال إن ما عللنا لنبي الله إبراهيم عليه السلام من عدم وضعه الكسوة على البيت نعلله أيضا لابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام، ونعلله أيضا لعدنان بن أد، فإن مكة في تلك العصور الغابرة كانت قليلة السكان لا يرد إليها سوى قليل من المأكولات واللوازم الضرورية من جهة اليمن فمن أين لهم القماش أو الحصير الكثير الكافي لستر الكعبة؟ إذن فالقول القائل بأن تبع الحميري هو أول من كسا البيت هو القول الأصح” وقد تأثر تبع الحميري بزيارته هذه للكعبة تأثرا بليغا، ولذا أوصى قبل أن يغادر مكة وقبل أن يرحل إلى بلاده اليمن ولاة مكة من قبل جرهم بالعناية بالكعبة.
وأمرهم بتطهيرها وأن لا يقربوها دما ولا ميتة وبعد أن أوصاهم عاد إلى بلاده، ومات بها، ولا ننسى مدى أثر زيارته لمكة المكرمة، وما صحبها من نتائج أدت في النهاية، إلى تركه هو وقومه عبادة الأصنام وقد عني بعض الناس على اختلاف طبقاتهم بكسوة الكعبة تأسيا بتبع، وأخذوا يهدون إليها الأكسية المختلفة فتتجمع لدى سدنة البيت وولاته من جرهم وخزاعة، فيحتفظون بها، فإذا بلي ثوب أبدلوه بثوب جديد آخر من خزانة الكعبة دون أن ينزعوا الثوب القديم مما أدى إلى تراكم الأثواب على الكعبة المشرفة، واستمر الحال على ذلك إلى أن ساد مكة قصي بن كلاب، الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من سادة العرب، فكانت لـه الحجابة والرفادة، والسقاية، والندوة، واللواء، والقيادة، فولي أمر الكعبة ومكة، وصار له فيها ملكا كبيرا.