“الرشوة: بين مكافحة الفساد وإغراء الإفلات من العقاب – تحليل قانوني لآثار الإعفاءات والعقوبات”
“الرشوة: بين مكافحة الفساد وإغراء الإفلات من العقاب – تحليل قانوني لآثار الإعفاءات والعقوبات”
بقلم : عمرو الريدي – المحامي
“الرشوة: بين مكافحة الفساد وإغراء الإفلات من العقاب – تحليل قانوني لآثار الإعفاءات والعقوبات”
تعتبر جريمة الرشوة من أخطر الجرائم التي تضر بالنظام الاجتماعي والاقتصادي، حيث تمس نزاهة الموظف العام وتؤثر بشكل مباشر على شفافية الأداء الحكومي، مما يعرض المجتمع لخطر الفساد ويقوض من سيادة القانون. لقد أصبح من الضروري أن تتصدى السلطات المختصة لهذه الجريمة من خلال آليات قانونية فعّالة، وهو ما بدأت تنتهجه الدولة عبر مؤسساتها الرقابية، وعلى رأسها الرقابة الإدارية، التي حققت تقدمًا ملحوظًا في مكافحة هذه الظاهرة داخل مؤسسات الدولة.
تتسم الرشوة بالارتباط الوثيق بمظاهر الفساد المالي والإداري، إذ غالبًا ما تتداخل مع قضايا فساد جسيمة تضر بالمؤسسات الحكومية، خصوصًا الأجهزة المحلية. ولذا، فقد تناول المشرع المصري جريمة الرشوة بشكل مفصل في قانون العقوبات، محددًا أركانها وعقوباتها. كما أكد على أهمية مكافحة هذه الجريمة من خلال تشريعات تهدف إلى حماية النظام العام ومنع استغلال الوظائف العامة لمصالح شخصية.
أركان جريمة الرشوة وأطرافها
تنطوي جريمة الرشوة على عدة أركان قانونية أساسية: الركن الأول هو أن يكون المرتشي موظفًا عامًا أو من في حكمه، وهو من يشغل وظيفة عامة ويملك صلاحيات تتعلق بالخدمة العامة. أما الركن الثاني فيتمثل في طلب أو قبول أو وعد بعطية أو مقابل من أجل أداء عمل من أعمال الوظيفة. والركن الثالث هو القصد الجنائي، حيث ينبغي أن يتوافر لدى الأطراف المعنية نية ارتكاب الجريمة بهدف تحقيق منفعة شخصية.
ويتضمن قانون العقوبات المصري العديد من النصوص التي تجرم الرشوة، وتحدد العقوبات المقررة لكل من الراشي والمرتشي. حيث نصت المادة 103 على معاقبة الموظف العام الذي يطلب أو يقبل رشوة بالأشغال الشاقة المؤبدة، مع غرامة مالية تتراوح بين ألف جنيه وأعلى قيمة للعطية. أما إذا قام الراشي أو الوسيط بالإبلاغ عن واقعة الرشوة، فيمكن إعفاؤهم من العقوبة وفقًا للمادة 107 مكرر.
إعفاء الراشي والوسيط: بين التشجيع على التعاون وكبح الفساد
يسلط قانون العقوبات الضوء على دور الراشي والوسيط في محاربة جريمة الرشوة. حيث يتيح لهم القانون فرصة للإعفاء من العقاب إذا قاموا بالإبلاغ عن الوقائع المرتبطة بالرشوة. وتعتبر هذه المادة أداة هامة تكشف عن شبكات الفساد، ولكنها في الوقت نفسه قد تثير جدلاً حول ما إذا كانت تشجع على استمرار ارتكاب الجريمة تحت طائلة العقاب الأخف، مما يستدعي مراجعة التشريعات لتحديد مداها.
الخبراء القانونيون، مثل عمرو الريدي المحامي ، يوضحون أن هذا النوع من الإعفاء يشجع الأشخاص المتورطين في قضايا الرشوة على تقديم معلومات قد تسهم في كشف الشبكات الإجرامية، وبذلك تساهم في تعقب الجناة الرئيسيين. في المقابل، يرون أن هذه المادة قد تفتح المجال لبعض الأطراف للاستفادة من الإفلات من العقاب، ما يثير تساؤلات حول فعالية التشريع في ضمان محاكمة عادلة وفعالة للمتورطين في هذه الجرائم.
ضرورة تعديل النصوص القانونية لمواكبة تطورات الفساد
رغم الفوائد التي تجنيها الدولة من خلال المادة 107 مكرر، إلا أن هناك مطالبات بتعديلها نظرًا لوجود بعض الثغرات التي قد يستغلها المتهمون للإفلات من العقاب. حيث يتمسك البعض بأن هذه النصوص قد تفتح الباب أمام تطبيع الفساد في المجتمع، وتجعله ظاهرة مقبولة في بعض الحالات. وقد يطالب الخبراء القانونيون بتعديلات تحسن من آليات مكافحة الفساد دون التأثير على حقوق الأفراد أو تحفيز الجريمة.
الخاتمة: بين العفو والملاحقة القضائية
إن مواجهة جريمة الرشوة تتطلب مزيدًا من الفعالية في تطبيق القوانين وتنظيم الإجراءات القانونية المتعلقة بالإبلاغ والكشف عن هذه الجرائم. ويبقى التساؤل قائمًا حول مدى إمكانية تعديل أو تحسين المواد القانونية ذات الصلة لتحقيق التوازن بين محاربة الفساد وحماية حقوق الأفراد.