الرعب في قلوب الرومان
الرعب في قلوب الرومان
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد كثير من الناس يعتقد أن الشهادة تقتصر على الموت في محاربة الكفار فقط، ولكن شهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرون، فالمبطون شهيد وهو صاحب داء البطن، وقيل هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا، والمرأة تموت بجمع شهيده، أي تموت وفي بطنها ولد، لأنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل وهو الحمل، وهذا وخصال الشهادة كثيرة.
فقال الحافظ ابن حجر وقد إجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة وذكر منهم اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال، ويقول الإمام النووي وإنما كانت هذه الموتات شهادة يتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وهذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء، ويدخل في ذلك الدفاع عن الأهل والمال والوطن، ويدخل في ذلك أيضا الجنود المرابطون الذين يسهرون ليلهم في حراسة هذا الوطن والدفاع عنه وحماية منشآته، وفي غزوة مؤتة قد نجح القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه في الصمود بجيشه أمام جيش الرومان طوال النهار، وكان لابد من مكيدة حربية.
تلقى الرعب في قلوب الرومان، حتى ينجح في الإنحياز بالمسلمين وينجو من مطاردة الرومان لجيشه، وقبل أن ينكشف المسلمون ولما أصبح في اليوم الثاني، غيّر أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمة الجيش ساقته وميمنته ميسرة، والعكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا جاءهم مدد فرعبوا، وصار خالد بعد أن ترآى الجيشان، وتناوشا ساعة يتأخر بالمسلمين قليلا قليلا، محافظا على نظام الجيش فلم يتبعهم الرومان خوفا من مكيدة يدبرها المسلمون فحافظ على جيشه وعاد الرومان إلى بلادهم خائبين، وهكذا عاد المسلمون لم يلقوا ضررا، وإستشهد منهم إثنا عشر رجلا ولا يعلم عدد قتلى الرومان لكثرتهم ونستطيع أن نخرج من هذه الغزوة بنتائج مهمة منها أن النظرة المادية المجردة عند قياس معيار القوة والضعف بعيد كل البعد عن الواقعية.
والفهم العميق للحياة وسبر أغوار بواطن الأمور، إذ الوقائع تشهد، والأحداث على مر العصور تبرهن بأنه قول الحق سبحانه وتعالي ” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ” فالأمر لله من قبل ومن بعد، وأن الإيمان في قلوب أهله، أقوى من قوى العالم وإن إجتمعت، فكم من مجاهد أعزل من السلاح يرفع إصبع السبابه يناجي ربه، وكم من دعوة في جنح الظلام تفتح لها أبواب السماء، تفعل الأفاعيل في الأعداء بل هي أشد عليهم من آلاف المقاتلين وقد قالوها، والحق ما شهدت به الأعداء، وأن على الأمة أن تربي أبناءها على حب دينهم وإعتزازهم به، والشعور بالنصر والعلو والفخر ألا فلينقش على القلوب والصدور ولتردده الأفواه والسطور ” ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”