الصـــبر .
محمود سعيد برغش
إن الحياة رحلة سفر؛ وإن السفر قطعة من العذاب، والإنسان المسافر يهيئ نفسه لهذه المشاق، فعندما يخرج الإنسان من بيته إلى عمله؛ فإنه يَعُدُّ نفسه لذلك، أي: إن الإنسان يعد نفسه لما هو ذاهب إليه.
ولا بد للإنسان أن يكون صابرًا على متاعب هذه الحياة، ولأجل هذا نقول: (من جاوز قناطر الفتن فإنه يصل إلى خزائن المنن ).
والإنسان إذا أراد أن يصل إلى رحمة الله تعالى وعطائه في الدنيا والآخرة، لا بد وأن يبتلى ويختبر، ولا بد وأن يُمَحَّصَ الحديد الصلب، فلا يكون صلبًا إلا إذا احترق؛ أي: وضع في درجة حرارة عالية؛ حتى يكون فولاذيًّا، وأنت لكى تكون فولاذيَ الإيمان صلبًا؛ لا بد وأن تمر بعدة مراحل، وهي مراحل الإيمان كما قال تعالى: [ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ *وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ][آل عمران:146، 147]، أي: إن كثيرًا من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم، فما ضعفوا لما نزل بهم من جروح أو قتل؛ لأن ذلك في سبيل إعلاء كلمة ربهم، وما عجزوا ولا خضعوا لعدوهم، إنما صبروا على ما أصابهم، والله يحب الصابرين، وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وما وقع منا من تجاوز في أمر ديننا، وثبت أقدامنا حتى لا نفر من قتال عدونا، وانصرنا على من جحد بوحدانيتك ونبوة أنبيائك.
ما النتيجة ؟
قال تعالى: [ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ][آل عمران:148]، فأعطى الله تعالى أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم، وبالتمكين لهم في الأرض، وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة، وهذا الجزاء هو جنات النعيم، والله يحب كل من أحسن عبادته لربه، ومعاملته لخلقه.
أي: لا تُرْفَعُ في هذه الدنيا إلا إذا كنت صابرًا على جميع الفتن التي تأتى إليك: [ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]
[آل عمران:148]، ولأجل هذا نقول ” من جاوز قناطر الفتن وصل إلى خزائن المنن” أي: خزائن التوفيق والعطاء.
والنصر من الله تعالى لا يأتى لأمة ضعيفة أو مستكينة ، وإنما لا بد أن تعيش حالة من الثبات القلبي، وألا تكون منزعجًا أو مضطربًا على كل ما سيجرى لك؛ لأن ما سيجرى هو مرحلة إعداد لما هو أهم من هذا لأجل هذا قال تعالى: [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ][العنكبوت:2]، أي: أظن الناس إذ قالوا: آمنا، أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟
لأجل هذا فإن المسافر في رحلة الحياة يصبر نفسه على كل ما سيجرى عليه في هذه الرحلة؛ لأنها رحلة سفر من تدبير الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يتولى أمرك، فلا بد وأن تكون منتظرًا للفرج فما عُبِدَ الله تعالى بشيء أحب إليه من انتظار الفرج .
قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا] [آل عمران: 200]
وقال تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ][البقرة:153]
وهذه أوامر من الله عز وجل؛ لأن نصبر ونكون مع الصابرين، ولهذا يجب علينا الوقوف على معنى الصبر ومراده حتى نصبر كما ينبغى، وفيما يرضى الله عز وجل، فالصبر لغة: الحبس، وشرعًا: حبس النفس عن ثلاثة أمور: الأول: معصية الله، والثانى: عن محارم الله، والثالث: السخط بأقدار الله ، وهذه الأنواع كما ذكرها أهل العلم.
فالأمر الأول: أن يصبر الإنسان على الطاعة؛ لأنها ثقيلة على النفس وثقيلة على البدن، مثل الصبر على المشقة المالية عند الزكاة والصدقة .. وغيرها.
أما الأمر الثاني: فيتعلق بترك المعاصي، والبعد عن انتهاك محارم الله؛ فيحبس الإنسان نفسه إلا عما يرضي الله عز وجل، ويحتاج ذلك إلى مجاهدة في ترك الهوي.
أما الأمر الثالث: فهو الصبر على البلاء، وإن كان أليمًا شديدًا فعلى المسلم ألا يسخط بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه، وعليه أن يصبر ، كما عليه أن يرضي بأن يكون صابرًا؛ كأن لم يصبه شيء، وعندما يمر بهذه المراحل يصل إلى مرحلة الشكر، وكان الرسول الكريم $ إذا رأى ما يكره يقول ” الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ”.
ومن المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس؛ فمنهم من وفى نذره؛ فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم من ينتظر إحدى الحُسْنَيين: النصر أو الشهادة، وما غيروا عهد الله، ولا نقضوه، ولا بدلوه، كما يغير المنافقون عهودهم ؛ أي : أن هناك صدقًا مع الله [ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ] [الأحزاب: 23] لأجل هذا، انظر إلى رسول الله $، وهو منتظر لفرج كبير من الله – جل في علاه – حتى يأتي الفرج والفتح بأمر الله تعالى وفضله ، ويبشرنا بهذا فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ”