الغش الذي حرمه الإسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين مصرف الأمور، ومقدر المقدور “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ” أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، أما بعد لقد ذكرت المصادر الإسلامية أن الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه ” وقالوا العبيد ثلاثة عبد رق وعبد شهوة وعبد طمع، ولو لم يكن في الطمع إلا تضيع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم، في طلب رزق قد تكفل الله به لكفى بذلك زجرا.
فكيف وفي الطمع التعب الدائم وتحقير النفس وإذلالها، ونقص الثقة بالله عز وجل مع شعور صاحبه بفقر دائم ” وما فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر” ونسأل الله أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة، ولقد نهى الإسلام الحكيم عن الغش في جميع صوره ومظاهره بل وتوعد الإسلام أهله بالويل والخسران، وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال “ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال أصابته السماء يا رسول الله، قال ” أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني” وفي رواية “من غشنا فليس منا” وفي رواية ” ليس منا من غشنا ” رواه مسلم، والغش الذي حرمه الإسلام هو الذي عرفه ابن حجر الهيثمي فقال “الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة.
من نحو بائع أو مشتري فيها شيئا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل ” وقال الكفوي “الغش سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يطلق الغش على الغل والحقد” وللغش مظاهر كثيرة منها الغش في البيع والشراء وتطفيف الكيل والميزان والغش في الامتحانات والغش في الزواج والغش في النصح للناس والغش في الحكم والولايات، فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة ” رواه البخاري ومسلم، ولقد حرم الإسلام الغش لما له من مضار كثيرة منها أن الغش طريق موصل إلى النار، وكما هو دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفس هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
وكما هو سبب البعد عن الله وعن الناس، وأنه طريق لحرمان إجابة الدعاء، وأنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر، وكما أنه دليل على نقص الإيمان، وأنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، وقال لابن حجر الهيثمي ولهذه القبائح أي الغش التي إرتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم ، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألوانا، وصدق من قال “ولا ترجع الأنفس عن غيّها ما لم يكن منها لها زاجر” واعلموا يرحمكم الله أن المسلم إذا جعل الله تعالي رقيبا وحسيبا عليه وعلم أن هناك قصاصا عادلا يوم القيامة فإن نفسه تنزجر عن غش الناس وخداعهم، وقد يجد الناظر من حولنا أن أحوال كثير من الناس قد تغيّرت لدرجة أن أصبح الغش خلقا وديدنا، لا يستغنون عنه في تعاملاتهم وتسيير أمور حياتهم ومعيشتهم.
الغش الذي حرمه الإسلام


