المعاشات بين الواقع الصعب وصمت الحكومه
كتب – محمد خضر
يمثل التدني الشديد وغير المسبوق بين الحد الأدنى للمعاشات والحد الأدنى للأجور والمقرران قانونًا،
أولى وأهم القضايا الشائكة التي تواجه جميع أصحاب المعاشات التأمينية والمستحقين عنهم،
وتقترب أعدادهم حاليًا (سبتمبر 2022) من إحدى عشر مليونًا، يحصل منهم “وفقًا للأرقام المعلنة عن وزارة التضامن الاجتماعي”
نحو 2.5 مليون صاحب ومستحق معاش على أقل من 1000 جم وهو ما يُمثّل تحديًا كبيرًا ويتطلب تحركًا عاجلاً وحاسمًا من مختلف المسئولين سواء بالسلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية،
وكلما تأخر الإجراء العاجل والمناسب، زادت حالة الغضب وعدم الرضى السائدة الآن بين أصحاب المعاشات،
ولعلنا نشير فيما يلي
وقي نقاط سريعة ومحددة ما يؤكد الأهمية القصوى لتحرّك جميع الأطراف نظرًا لما تشغله هذه القضية من بين العديد من القضايا والمشكلات التي تحيط بأصحاب المعاشات
من كل جانب “اجتماعية.. اقتصادية.. صحية.. إلخ”.
من الصعب أن يصدّق أحد أن الحد الأدنى للمعاشات المذكور بالرقم والقيمة في قوانين زيادة المعاشات السنوية لم يتغيّر
منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ويبلغ 900 جم شاملة كافة الزيادات والإعانات ويخْلو تمامًا من أي منح أو مكافآت..
وهذا المبلغ مقرر بالمادة الثانية من قانون زيادة المعاشات اعتبارًا من 1/7/2019، ولم يصدر بشأنه أي تغيير أو تعديل بالزيادة حتى الآن،
وجميع القوانين السنوية التي تلت هذا التحديد اقتصرت على تحديد نسبة العلاوة الدورية السنوية دون أن تتضمن زيادة قيمة الحد الأدنى للمعاشات سابق الإشارة إليه.
بالمقارنة بذات الفترة، صدرت عدة تعديلات بالزيادة على الحد الأدنى للأجور حتى وصلت إلى 2700 جم اعتبارًا من أول أبريل 2022،
مضافًا إليها علاوة مقطوعة بمبلغ محدد وما تشمله من زيادة في الحوافز والمكافآت والمنح
والتي تصرف للجميع تقريبًا في عدد من المناسبات “الاجتماعية منها أو الدينية أو القومية” والتي تحوّلت مع الوقت إلى ما يشبه الحق المكتسب.
بالنظر إلى ما سبق من أرقام يتضح أن الحد الأدنى للمعاشات لا يزيد بأية حال عن 25% من الحد الأدنى للأجور،
في الوقت الذي يعاني فيه جميع المواطنين وبلا استثناء ” عاملين كانوا أو أصحاب معاشات من نفس الواقع والظروف التي يعيش في ظلها الجميع
متمثلة في الارتفاعات المستمرة وبلا انقطاع في أسعار جميع السلع والخدمات، وهي لا تفرق بالطبع بين مواطن وآخر.
وعلى سبيل المثال لا الحصر
فالارتفاعات المستمرة والتي تصدرها الجهات الحكومية والهيئات التابعة لها من ” كهرباء وغاز ومياه وصرف صحي
وطاقة وغريها في الكثير من الرسوم المقررة على الخدمات المختلفة..
هذه الارتفاعات يتحملها الجميع بلا تمييز أو اختلاف.
وإذا ذكرنا مثالاً حيًا لمدى الظلم والإجحاف وعدم التقدير الذي يعاني منه جميع أصحاب المعاشات بوجهٍ عام في جميع مناحي الحياة..
ومن يتقاضون شهريًا أقل من 2500 جم بوجهٍ خاص وليس هو على أية حال الحد الأدنى البالغ 900 جم
فالأسرة التي تتكون من أربعة أفراد إذا ما توفر لها فرص العيش على الفول والطعمية في جميع وجباتها اليومية فلن تقل قيمة الوجبة الواحدة عن 40 جنيهًا بتكلفة يومية 120 جنيهًا وبإجمالي 3600 جنيه شهريًا،
ولم نذكر هنا قيمة لإيجار المسكن مهما كان ضئيلاً واستبعاد تكاليف استهلاك المياه أو الكهرباء أو الغاز..
ولا مواصلات لأي فرد من أفرادها ناهيك عن مستلزمات الاسرة من الحد الأدنى للملابس ومصروفات العلاج والدواء والذي يمثل البند الأول في ميزانية أي صاحب معاش.
الدستور وماذا تعنى الحياة الكريمة؟
وإذا كان الدستور المصري هو مرجعنا للقياس فيما بين مواده والواقع المُعاش فعليًا..
فقد ذهب الدستور إلى أن المعاش ليس صدقة تتصدق بها الدولة على المواطنين، وإنما هو حق للمؤمّن عليهم والمستحقين عنهم..
وأوضحت مواده (التي ستأتي إلى ذكرها فيما بعد) بأن حصول أصحاب المعاشات على هذه الحقوق لا يتم إلا بإتاحة كاملة دون نقصان أو جوْر على أي حق من حقوقهم،
وفي مقدمة هذه الحقوق، هو إقرار الدولة واعترافها قانونًا بحد أدنى للمعاشات يحقق لهم الحياة الكريمة بمضمونها المتكامل في العدل الاجتماعي والكرامة الإنسانية، وأن يتم ذلك من غير بخْس أو ظلم أو إجحاف.
والحد الأدنى الذي نتحدث عنه “900 جم” لا يحقق بأية حال وبأي مقياس الحياة الكريمة التي دعى إليها الدستور..
بل هو يتنافى ويتناقض مع ما نصت عليه المادة (27) من الدستور المصري والتي أشارت في فقرتها الثالثة عن المقومات الاقتصادية
(ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية..
وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة).
وهو ما تكرر وأكدت عليه المادة (83) “بأن تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا، وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة،
وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة ” بل ذكر الدستور في توضيحه للحياة الكريمة
التي جاءت بهذه المادة (تراعى الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين ، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين)
وحرص الدستور على التأكيد وهو أمر بديهي
أن هذه الحقوق ينظمها القانون..
وهنا يثور التساؤل عن امتناع السلطة التشريعية حتى الآن عن إصدار هذه القوانين المنظمة لـ ” الحد الأدنى للمعاش”.
ونود الإشارة في هذا الصدد أن المخالفة الدستورية، لا تقتصر بالضرورة على العمل الإيجابي، بمعنى أن تقوم السلطة التشريعية بإصدار قانون مخالف للدستور،
وأوبل أن امتناع السلطة التشريعية عن وضع أحكام الدستور الواضحة والصريحة موضع التنفيذ يوجب إصدارها للقوانين اللازمة،
يُعد في ذاته مخالفة دستورية تستوجب تدخُل سلطة القضاء الدستوري.. وهي المحكمة الدستورية العليا –
لتؤكد أن عدم إصدار القانون بوضع حد أدنى للمعاش يحقق الحياة الكريمة كما وضحت بأكثر من مادة في الدستور..
يُعد مخالفة دستورية.
ونشير في ذات الصدد إلى ما قاله الدكتور/ محمد عبدالوهاب خفاجى “نائب رئيس مجلس الدولة
” أنه “أن لم تقم السلطة التشريعية بتفعيل تلك المواد (17، 27، 83) من الدستور لتكون نصوصًا حيّة بين الناس يشعرون بها في حياتهم اليومية وتؤمّن لهم مستقبلهم” فإنها تصبح كإعجاز نخل خاوية “.
وارتباطًا بذات القضية “الحد الأدنى للمعاشات” وما توفره من علاوات دورية سنوية، س
نجد المادة (35) من قانون التأمينات والمعاشات رقم 148 لسنة 2019
والتي تنص على “تزداد المعاشات المستحقة في 30 يونيو من كل عام اعتبارًا من أول يوليو بنسبة لا تقل عن معدّل التضخم بما لا يزيد علي 40%،
وإذا ما تجاوزنا عن الرفض القاطع لجميع أصحاب المعاشات والمستحقين عنهم لهذه المادة، فإن العلاوة الدورية الأخيرة
التي بدأ تطبيقها مبكرًا اعتبارًا من أول ابريل بدلاً ن أول يوليو بنسبة 13% فقط. فسنجد أن نسب التضخم المسجلة ”
وفقًا لما تلى ذلك من شهور” هي 14.9%، 15.3%، 14.7%، 14.6% من ابريل 2022 إلى يوليو 2022 على التوالي.
ما تكشف عنه هذه الأرقام أمر في غاية الخطورة بالنظر إلى المعاناة المتزايدة لأصحاب المعاشات.. وهو أن القيمة الحقيقية للمعاشات المتدنية من حيث المبدأ قد تناقصت خلال هذه الشهور عما كانت عليه قبلها.
وقد ازداد هذا النقص مع قرار الحكومة بتخفيض جديد لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار اعتبارًا من مارس 2023 (30جم) حتى وصل إلى (34جم) مع بداية شهر ابريل 2023.
وتشير كل المؤشرات بأن هذا الانخفاض سيستمر لفترة ليست بالقصيرة.. ومعدّل التضخّم يزداد ارتفاعًا.
خاتمــــــة:
كل هذه الظروف اجتمعت لتحيط بأصحاب المعاشات في جميع مناحي حياتهم..
وجعلتهم يشعرون – وبلا مبالغة أو مزايدة – أنهم يعيشون أيامًا غاية في القسوة..
بل هي أصعب من ذلك بكثير.
فهل آن للحكومة أن تنصت ولو قليلاً إلى أصوات مقهوري هذا العصر..
الأموات وهم أحياء؟
إن الوقت يمضي سريعًا..
وعلى جميع المسئولين أن يستمعوا إلى مقولة ” مكسيم جوركي” الأديب الروسي الكبير” يجب أن يعرف الذين يركبون فوق ظهورنا..
ويضعون العصابة في ذات الوقت على عيوننا.. أننا نرى كل شيء..
نحن لسنا أغبياء..
وأيضًا لسنا حيوانات لا نطلب إلا مِعْدَة ممتلئة.. نحن نريد أن نعيش حياة جديرة بكائنات بشرية”
حياة كريمة تُظللّها الكرامة الإنسانية وإلى إن يتحقق ذلك..
ستظل ” قوتنا في وحدتنا ” والله المستعان