المعلم… صانع الأجيال ونور الزمان
بقلم: أشرف ماهر ضلع
في كل عام، وفي الخامس من أكتوبر، يقف العالم أجمع ليحتفي بإنسانٍ لم تصنعه الشهرة، ولم تُغره المناصب، بل صنعه العطاء الخالص ورفعة الرسالة، إنّه المعلّم… تلك الشمعة التي تحترق لتضيء دروب الآخرين، وتزرع في القلوب بذور المعرفة والفضيلة.
يوم المعلم ليس مناسبة عابرة في تقويم الزمن، بل هو وقفة وفاءٍ وتقدير لرسالةٍ ساميةٍ حملها المعلم على عاتقه منذ فجر التاريخ. فمن فصول الكتاتيب القديمة إلى قاعات الجامعات الحديثة، ظل المعلم رمزًا للوعي، وصوتًا للضمير، وسراجًا للحق في وجه الجهل والظلام.
المعلم هو أول من يضع حجر الأساس في صرح الأمة، فهو الذي يصوغ العقول، ويهذّب النفوس، ويرسم ملامح المستقبل. فإذا كان الطبيب يعالج الجسد، فإن المعلم يعالج العقول ويصنع الإنسان الذي يُعالج كل شيء بعده.
في زمنٍ تتغير فيه القيم وتتبدل الموازين، يبقى المعلم الثابت على المبدأ، المخلص في عطائه، المؤمن بأنّ التربية قبل التعليم، وأنّ الكلمة قد تبني وطنًا كما قد تهدمه. فكم من معلمٍ ترك بصمته في طالبٍ صغير، فإذا به بعد سنواتٍ يصبح عالمًا أو كاتبًا أو قائدًا يذكر أستاذه بكل فخرٍ واعتزاز.
إنّ يوم المعلم دعوةٌ للعودة إلى الجذور، إلى تقدير من علّمنا الحرف الأول، وأيقظ فينا شغف السؤال، وفتح لنا نوافذ الفكر.
فكم يحتاج المجتمع اليوم إلى أن يُعيد هيبة المعلم ومكانته التي لا تقلّ شأنًا عن مكانة الجندي في ميدان القتال، أو الطبيب في غرفة العمليات. فكلُّهم حراسٌ للوطن، ولكن المعلم هو الذي ربّاهم جميعًا على حب الوطن وإخلاص العمل.
ولعلّ أجمل ما قيل في حقه قول الشاعر أحمد شوقي:
> “قُم للمعلّمِ وَفِّهِ التَبجيلا **كَادَ المعلّمُ أَن يَكونَ رَسولا”
كلمات خالدة تُترجم المعنى النبيل الذي يحمله هذا الإنسان العظيم.
فهو رسول العلم، ومهندس الفكر، وباني الحضارة، وصوت الحقّ في عالمٍ يعجّ بالضجيج.
وفي يوم المعلم، يحقّ لنا أن نقف إجلالًا وتقديرًا لكلّ من حمل القلم بإخلاص، وعلّمنا كيف نكتب كلمة “حبّ”، وكيف نرسم طريق “الحياة”، وكيف نقرأ “الوطن” في سطور قلوبنا.
تحيّةً لكلّ معلمٍ كان يومًا لنا قدوة، ولكلّ من غرس فينا الإيمان بأنّ العلم هو طريق الحرية، وأنّ الكلمة هي النور الذي لا ينطفئ.
المعلم… صانع الأجيال ونور الزمان