انتحار الشعراء
انتحار الشعراء
تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان “شعراء منتحرون”:
بقلم
الشاعر. عباس محمود عامر
“مصر”
الله جل جلاله لا خالق غيره للروح فهي من خلق الله تعالي .. وحينما خلق آدم قال في قرآنه العزيز (ونفخت فيه من روحي) تكريما وتشريفا له ليس أكثر.. لذلك كانت أهمية الروح وشأنها عند الله .
والانتحار ..هو فكرة مأساوية سلبية تراود الإنسان عندما تتغلب على كل آماله وطموحاته الظروف النفسية الصعبة.. وتكسر إرادته وترغمه على عدم مواصلة العيش في هذه الدنيا .. وتجذب رغبته في التخلص من الحياة لعدم إمكانية التعامل معها .
في الحضارة المصرية القديمة وجد على جدارن المعابد نص أدبي يحمل عنوان”اليأس من الحياة” يسرد في مضمونه اليأس ويدفع للانتحار .. وهذا يؤكد وجود حالات انتحار بين الأدباء والشعراء في العصر الفرعوني ..
في عصرنا الحديث حدثت حالات انتحار كثيرة بين الشعراء والأدباء من أهمهم :
* “ابراهيم زاير” شاعر عراقي من مواليد العراق عام 1944.. انتحر بإطلاق النار على رأسه يوم 24 أبريل 1972 في بيروت.. كان رساما وصحافياً أيضاً .. تخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد .. وكان ناشطا في المنظمات الفلسطينية في بيروت.. ومن دوافع انتحاره مروره بظروف سياسية وعاطفية ومادية دفعته للانتحار ..عرف شاعرا بعد أن نشرت له مجلة مواقف اللبنانية قصيدة بعنوان “وردة الضحايا” منها هذه السطور :
“أخذت حلم العالم وجزأته دون ثقة
أسقطت جمل الاعتراض ..عرّيت المعاني المدهشة
واعترفت بكرامة الدم قبل أن يكون وصية
هذا انا ومعي وردة الضحايا” .
* “صفية كتّو” اسمها الحقيقي هو “رحبي الزهرة” شاعرة جزائرية كانت تكتب أشعارها باللغة الفرنسية.. ولدت في15 نوفمبر عام 1944 في عين الصفراء بالجزائر .. عملت مدرسة للغة الفرنسية كما عملت في وكالة الأنباء الجزائرية .. في يناير عام 1989 انتحرت عندما ألقت بنفسها من أعلى جسر “تيليملي” وهي عمارة ضخمة فوقها جسر وسط العاصمة الجزائرية .. كتبت مقولة بالفرنسية بعنوان”إذا مت بينكم”: إذا مت بينكم يوما..ولكن أتراني سأموت حقاً..لا تتلوا من أجلي آيات من القرآن..دعوه لمن يتاجرون…لا تحجزوا لي فدانين من فردوسكم.. فدان واحد على هذه الأرض يكفي لسعادتي”.
* “خليل حاوي” شاعر لبناني من مواليد
بلدة الهوية بجبل لبنان عام 1919 .. انتحر بإطلاق النار على نفسه في 6 يونيه عام 1982حينما اقتحمت القوات الإسرائيلية بيروت .
لو يعرف الإنسان مكانة الروح عند الله ما فكر في إزهاقها لحظة مهما حاطت به المآسي .. يقول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إِن الله كان بِكم رحيما ..ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) .. لذلك جعل الله الانتحار منكرا كبيرا من أكبر الكبائر.
موضوع مؤلم حقا أعاد إلى أذهاننا سير كثيرة من شعراء جهابذة كانت لهم مكانتهم الأدبية في عصور مضت .. يعلم الله وحده دوافعهم للانتحار .. دام لنا نبع قلمك الرائع وحفظك الله ورعاك وأكرمك دكتورنا الغالي.
الشاعر.عباس محمود عامر
“مصر”
=================
شعراء منتحرون
بقلم
أ.د.أحمد فرحات
ومن الشعر ما قتل!
الشعر مملكة الإبداع والفن، ما ولج بابه أحد إلا وتوج بتاج الإمارة على المستوى الشخصي، وتاج المُلك على المستوى العام. فطوبى لكل شاعر متوج!
يعيش الشاعر الحياة وفوق رأسه تاج؛ لكنه يعاني ما يعاني إذا أحب بصدق، فتميل به الحياة وتهوي، فيتساوى لديه نعيمها وشقاؤها.
من الشعراء الذين أحبوا وفشلت قصة حبهم منير رمزي، وهو شاعر مصري، ولد في الإسكندرية عام 1925م، وانتحر بإطلاق النار على نفسه سنة 1945م، وكان قد كتب قصاصة ورق: أنا هارب. ومن شعره:
أنا الغريب / أزرع الأيام على أنغام موسيقا / حزينة ضائعة /غير تارك فيها آثارا لأقدامي/ أنا الغريب/ فقدت طريقي قبل أن أجدها/ وها أنا أزرع الأيام / وراء غريبٍ ليرشدني/ أهيم بين مجالس الموتى هامسا في آذانهم/ بأغانيّ التي لا معنى لها/ أرسلها في خفوت/خائفا إيقاظهم/ ثم أجلس في صمت/ منصتا إلى أناشيدهم التي يعبق بها السكون/ يلقونها في سعادة عميقة أبدية…
وتكمن القيمة الفنية والتاريخية لشعره في أنه مارس شعر التفعيلة قبل نازك الملائكة بسنوات. وترك لنا ديوان”بريق الرماد” طبع بعد وفاته سنة 1997م. قدم له إدوارد الخراط ومحمد مصطفى بدوي.
أحمد العاصي (1903-1930) شاعر مصري له “ديوان العاصي” كتب له أحمد شوقي مقدمة شعرية. التحق العاصي بمدرسة الطب في القاهرة ولما أصيب بمرض الصدر هجر الطب، والتحق بكلية الآداب، وتخرج في قسم الفلسفة ليعمل موظفاً بمكتبة الكلية. انعكس مرضه ودراسته الفلسفة وحساسيته الشعرية على قصائده فجاءت متشائمة ذات نظرة عبثية إلى الحياة. انتحر في السابعة والعشرين من عمره. تاركاً قصاصة يقول فيها: “جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر. إنني أستعذب الموت، وهو لي كالعطر”. دهن جسمه بمادة كاوية ثم أوى إلى فراشه. وظلت هذه المادة تأكل جسمه بالتدريج وتحرق الفراش ببطء، من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة من اليوم التالي حيث قضت عليه وأحرقت الحجرة. صدر ديوانه بأبيات أحمد شوقي الدالة على حالته:
ولتعلَّمنَّ إذا السُّنونُ تَتَابعت
أنَّ التَّشكِّي كانَ قبلَ أوانِهِ
هذا شباب السحر يلمع ماؤه
من جدول (العاصي) ومن ديوانه
ويكاد يلمسك السرور يراعه
وترى يد الأحزان حول بيانه
يشكو الزمان لنا، ويالك يافعا
ناءت بميعته هموم زمانه
وهنا تكمن القيمة الفنية لشعر العاصي، فشوقي لا يكتب إلا ما شعر به تجاهه. ومن شعر العاصي:
ضاعت سعادة نفسي، وانبرى أملي
ونال ما بي من جسمي فأضناني
إني ظمئت إلى خل ليؤنسني
فلم أجد مؤنساً ما بين خلاني
فعدت للهم عل الهم يؤنسني
إن كان في الهم أنس الواله العاني
قولوا لسارية الآلام في كبدي
هل تقصرين، فإن الهم أبلاني
واحنوا علي إذا ما الهم أرقني
وباركوني إذا ما الصبر وافاني
ولا تكونوا على نفسي إذا جزع
فإني مرجع نفسي لإيماني
وهناك شعراء كثيرون ماتوا انتحارا منهم: اللبناني خليل حاوي ، السوري عبد الباسط الصوفي، الجزائري وفاروق سميرة، الأردني تيسير سبول، وابن القليوبية فخري أبو السعود، وغيرهم.