حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
بقلم/نشأت البسيوني 
هناك لحظة حين يثقل الحزن القلب ويختلط بأيامنا كظل لا ينفك يرافقنا
نظن حينها أننا فقدنا الطريق وأن الفرح لن يعود إلينا أبدا
لكن الحقيقة الغريبة أن الحزن نفسه قد يحمل في طياته مفتاحا
بابا سريا يقودنا إلى فهم أعظم
إلى وعي أعمق وإلى سكينة لم نعرفها من قبل
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
تصبح كل تجربة مؤلمة مدرسة
وكل دمعة نزلت بلا صمت
كل غياب كل فقد كل خيبة أمل
كلها تصبح دروسا خفية تعيد ترتيب القلب والعقل
لتجعل الإنسان يرى العالم بعيون مختلفة
ينظر إلى نفسه إلى الداخل إلى الناس حوله وإلى الحياة بكل أبعادها
الحزن يعلمنا أن الحياة ليست دائما عادلة
وأن الألم جزء من الوجود
لكن السحر الحقيقي يكمن في القدرة على تحويله إلى شيء جميل
شيء ينير الروح ويغني القلب عن الغضب والندم
شيء يجعلنا نبتسم رغم كل شيء
ونشعر بالامتنان لما نحن عليه الآن
حتى لو لم يكن كل شيء كما تمنيناه
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
نرى في الفقد درسا وفي الوحدة صديقا
وفي الصمت حديثا يفهمه القلب وحده
تتعلم أن الحب الحقيقي ليس فقط في اللقاءات
بل في القدرة على الاستمرار رغم البعد
والصبر رغم الخيبات
والابتسامة رغم الدموع
يا صديقي
هناك قوة هائلة تكمن في الألم حين يحسن استخدامه
حين نصير قادرين على النظر إلى الجرح دون خوف
ونسمح له أن يعلمنا لا أن يكسرنا
حينها يصبح القلب أكثر رحابة
والروح أكثر استعدادا للعطاء
والفكر أكثر وضوحا
والحياة أكثر جمالا رغم كل عاصفة مرت بنا
الحزن يعلمنا أن الوقت لا يمحو بل يشفينا
أن التجارب التي اعتقدنا أنها نهايات
هي في الواقع بدايات لأبواب لم نرها من قبل
وأن كل سقوط كان رحلة لصعود أعظم
وأن كل دمعة لم تذهب عبثا بل كانت حبرا يكتب لنا طريق الفرح القادم
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
نكتشف أن الحب لا يفقد أبدا
وأن الوفاء الحقيقي ليس مرتبطا بالحاضر فقط
بل بالذكريات والدروس والتجارب التي جعلتنا ما نحن عليه
نتعلم أن القوة لا تعني عدم الانكسار
بل تعني أن ننهض بعد كل انكسار
بألم أخف وجرح أعمق فهما وحب أكبر للحياة
في الصمت حين يتحول الحزن إلى وعي
تبدأ الروح في التحدث مع نفسها
تفتح أعماقها بلا خوف
تقرأ ما كان مخفيا
تتعلم كيف تصنع السلام الداخلي
كيف تسامح من ألحق بها الألم
وكيف تحب نفسها بلا شروط
يا صديقي
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
تصبح الليالي الطويلة فرصة للنمو
والأيام العاصفة مسرحا لصقل الروح
والقلب الذي عانى أصبح أوسع أصدق وأكثر قدرة على الحب
على التسامح على الحلم وعلى الامتنان لكل لحظة
وفي النهاية
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي
تدرك أن الألم لم يكن عدوا
وأن الوحدة لم تكن عقابا
وأن كل خسارة كانت فرصة لتعلم شيء لم نكن لنفهمه بدونها
تصير الحياة رحلة مليئة بالمعنى
والقلوب أقوى
والأرواح أصفى
والذكريات أكثر حكمة
وتدرك أن الفرح القادم لم يكن ليصبح فرحا حقيقيا
لو لم يسبق له الحزن
وأن كل دمعة كانت بمثابة توقيع من السماء
يخبرنا انتظر فالأجمل لم يأت بعد
حين يتحول الحزن إلى سحر الوعي

