حين يصبح الابتعاد شكلا من اشكال النجاة
بقلم/نشأت البسيوني
في لحظة هادئة لا يلاحظها احد يصل الانسان الى قناعة تغير مسار حياته قناعة تقول ان القرب الدائم ليس فضيلة وان البقاء مهما كان الثمن ليس وفاء وان بعض الابتعاد رحمة مؤجلة حين يفهم الانسان ذلك لا يصبح قاسيا بل يصبح واعيا ولا يتحول الى شخص بارد بل الى شخص يعرف كيف يحمي قلبه دون ان يفقد انسانيته الانسان في بداياته يندفع يعطي بلا حساب يقترب بلا حدود يفتح قلبه
للجميع ظنا منه ان النية الطيبة كافية لحمايته وان الصدق درع لا يخترق لكنه مع الوقت يكتشف ان القلوب ليست متشابهة وان ما يقدمه بحب قد يؤخذ كحق مكتسب وان ما يقدمه بصدق قد يقابل بالاستهانة وان العطاء حين لا يكون متزنا يتحول الى استنزاف صامت الابتعاد هنا لا يكون هروبا من الناس بل عودة صادقة الى النفس لا يكون رفضا للحب بل احتراما له لا يكون انقطاعا بل
اختبارا حقيقيا للعلاقات فالعلاقة التي لا تحترم حدودك لا تستحق قربك والعلاقة التي لا ترى قيمتك وانت حاضر لن تراها وانت غائب
حين يختار الانسان خطوة للخلف يبدأ في سماع نفسه التي اسكتها طويلا يبدأ في رؤية تعبه الذي كان يغطيه بالابتسامة يبدأ في فهم ان راحته ليست انانية وان سلامه الداخلي ليس امرا مؤجلا وان قلبه ليس مكانا عاما لكل من يمر ويترك اثره ثم يرحل الابتعاد يعلم
الانسان ان ليس كل شيء يستحق التفسير وليس كل تصرف يحتاج مواجهة وليس كل خيبة تحتاج شرحا بعض الاشياء يكفيها الصمت وبعض الوجع يكفيه القرار وبعض العلاقات يكفيها ان تترك مكانها لتعرف حجمها الحقيقي ومع المسافة تهدأ الروح تقل التوقعات الثقيلة يخف التعلق المرهق ويكبر الاحترام للذات يصبح الانسان اكثر وعيا بما يعطي ولمن يعطي ومتى يعطي يتعلم ان يقول لا
دون شعور بالذنب وان يختار نفسه دون خوف من الفقد ومع الوقت يفهم الانسان ان المسافة ليست جدارا بل حد صحي وان القرب حين يكون نابعا من اختيار لا من خوف يصبح اكثر صدقا ودفئا وان الغياب احيانا يكشف من كان حضوره حقيقيا ومن كان مجرد ضجيج اعتدناه يدرك الانسان ان الابتعاد الذي ينقذ القلب لا ينقص من انسانيته بل يكملها لا يطفئ مشاعره بل يحميها لا يغلقه
عن الحياة بل يفتح له بابا للعيش بسلام يعيش بقلب مطمئن يعرف متى يقترب ومتى يبتعد ويكمل طريقه اخف حملا اكثر فهما واقل انكسارا وهنا تكتمل الحكاية ويغلق المقال على انسان اختار النجاة دون ضجيج واختار نفسه دون صراع واختار السلام طريقا لا رجعة عنه
حين يصبح الابتعاد شكلا من اشكال النجاة


