الدكروري يكتب عن صاحب الهمة العالية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 26 نوفمبر
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد لقد حثنا الله تعالي في آيات كثيرة من كتابه الكريم على فعل الخيرات، والمسابقة في عمل الطاعات، والمبادرة إلى الازدياد من الحسنات، حتى ننال أعلى المقامات، ونرتفع إلى أعلى الدرجات، ونحصل على أعظم الأجور والهبات، فإن هناك صنف من البشر مدحهم ربهم لأنهم يسارعون إلى فعل الخير، ويتسابقون إلى عمل الطاعة، وهمتهم عالية في السباق على ذلك، وإرادتهم مصروفة وبعيدة عن كل ما يجلب لهم البعد عن الله.
وعن فعل الخير، فإذا سمعوا بخير فعلوه وسارعوا إليه، وكلما سنحت لهم فرصة في الطاعة بادروا لها وتنافسوا عليها، فبلغوا الذروة في المنافسة، ووصلوا إلى قمة السعادة بسباقهم إلى الخيرات، قد شمروا عن ساعد الجد، وتباروا في السبق والمسابقة على الطاعات وتنافسوا عليها، فإن الصحابة الكرم رضي الله عنهم لما سمعوا هذه الآية “فاستبقوا الخيرات” اجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملا يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه، فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، أما نحن فعكسنا الأمر، فصار تنافسنا على الدنيا الدنية، وحظوظها الفانية.
ورحم الله الحسن البصري يوم قال “إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة” ويقول وهيب بن الورد “إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل” فانظروا كيف اغتنم عكاشة بن محصن رضي الله عنه الفرصة وانتهزها ففاز بها، فجاء من بعده ليطلب ما طلب عكاشة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ” سبقك بها عكاشة” وكأنه يقول له لو سبقت عكاشة لفزت بها ولكنه سبقك إليها، ليحيي في قلوبهم روح المبادرة والمنافسة، لأن صاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية، وإنما همته دائما عالية في المسابقة إلى الدرجات العالية والباقية، وقد قيل لبعض المجتهدين في الطاعات لم تعذب هذا الجسد ؟ فقال كرامته أريد.
وإن سمة الخير هي الدعة والحياء وسمة الشر هي القحة والبذاء وكفى بالحياء خيرا أن على الخير دليلا وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا وقد روى حسان بن عطية عن أبي إمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء والعي شعبتان من الأيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق ” رواه أحمد والترمذي والحاكم، ويصد بالعي أي هو سكون اللسان تحرزا عن الوقوع في البهتان والبذاء ضد الحياء وهو فحش الكلام والبيان فصاحة اللسان والمراد به هنا ما يكون فيه أثما من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق ويشبه أن يكون العي في معنى الصمت والبيان في معنى التشدق كما جاء في حديث آخر ” إن أبغضكم إلى الله الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ”
وروى أبوسلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” الحياء من الأيمان والأيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار “