صرخة الرضيع الأولى أول إعلان منطوق عن وجوده:
بقلم/ د. حنان حسن مصطفي
إن صرخة الرضيع الأولى عند خروجه من رحم أمه هي بمثابة أول إعلان منطوق له عن وجوده. وهذا الصوت، بدوره، يستثير استجابة الأم الصوتية: إذ تُردد صرخة الرضيع، فتُغلفها بغطاء صوتي، مما يُضفي عليها تأثيرًا مزدوجًا: تهدئتها وجعلها ذات معنى.
ولكن حتى قبل الولادة، يتواصل الرضيع مع ما هو خارج الرحم من خلال الأصوات التي تصل إليه، سواءً أكانت صادرة عن جسد الأم أم من العالم الخارجي. إن أول فكرة يكوّنها الرضيع عن العالم هي، في الواقع، فكرة عن الصوت: صوت الأم، دقات قلبها، أصوات الناس الذين يقتربون من جسدها ثم يبتعدون عنها.
يناقش أنزيو في كتابه الأنا الجلدية (1985) ما يسميه “مغلف الصوت” (ص 173)، والذي يتكون بالتناوب من الأصوات التي تنتجها البيئة والأصوات التي ينتجها الرضيع. الفضاء الأساسي هو فضاء صوتي. يجادل أنزيو (1985) بأنه قبل البعد البصري، الذي يؤكد عليه وينيكوت (1971) ولاكان (2002) في عملهما على مرحلة المرآة ودور المرآة للأم، توجد “مرآة صوتية” يكون دورها حاسمًا في نمو المولود الجديد. الصوت الأكثر شيوعًا لدى الرضيع الجديد هو صوت الصراخ، ويشير أنزيو (1985) إلى أربعة أنواع متميزة من الصراخ بنيويا ووظيفيًا لدى الرضيع الذي يقل عمره عن ثلاثة أسابيع: صراخ الجوع، وصراخ الغضب، وصراخ الألم (الذي ينشأ إما من الداخل أو الخارج)، وصراخ الإحباط. لكلٍّ من هذه الصرخات خصائصها المميزة، إلا أن صرخة الجوع هي أبسطها، بينما تُشكّل الصرخات الثلاث الأخرى أشكالاً مُختلفة منها. جميع هذه الصرخات هي ردود فعل فسيولوجية بحتة، تُثير لدى الأم ردود فعل تُهدئها. ومن المُدهش أن صوت الأم هو أكثر ما يُهدئ الطفل. فمنذ الأسبوع الثاني من عمره، يتفوق صوتها على أي صوت آخر في تهدئة الطفل، حتى مجرد رؤية وجهها.
صرخة الرضيع الأولى أول إعلان منطوق عن وجوده: