محمود سعيد برغش
لم تكن «كريمة» مجرد عروس شابة رحلت بعد أشهر قليلة من زواجها، بل تحولت قصتها إلى واحدة من أكثر القضايا إيلامًا في الوجدان المصري، لأنها لم تكن حادثًا غامضًا، بل جريمة تتراكم فيها الضربات، والصمت، والتستر، ومحاولات تزييف الحقيقة.
وآخر التطورات أثبت تقرير الطب الشرعي المبدئي وجود إصابات عنيفة ومتعددة في الرأس والجسد، لا يمكن أن تنتج عن سقوط عرضي، كما أكد أن المجني عليها كانت حاملًا في شهورها الأولى.
وقررت النيابة حبس الزوج على ذمة القضية، مع استمرار التحقيقات في شبهة التستر والمشاركة، في انتظار التقرير النهائي وإحالة القضية للمحاكمة الجنائية.
شهادة الشهود… الحقيقة التي خرجت للشارع بحسب أقوال شهود العيان أمام جهات التحقيق، شوهد الزوج وهو يحمل زوجته داخل «توك توك» وهي غارقة في دمائها، وعندما تجمهر الناس وارتفعت الأصوات، أعادها إلى المنزل، وكانت والدته تقف تراقب الطريق.
وأكد الشهود أن المجني عليها لم تكن واعية، وأن حالتها لا تتفق مع رواية “السقوط من السلم”، وهي الشهادة التي دفعت وكيل النيابة لمطالبة الأهالي بالإدلاء بشهادة الحق.
كلام أم الجاني… إنكار يصطدم بالوقائع خرجت والدة الزوج بتصريحات حاولت فيها تصوير ما حدث كحادث عرضي، مؤكدة أن ابنها “كان يحاول إسعاف زوجته”، وأن ما أصابها نتيجة سقوط مفاجئ.
غير أن هذه الرواية تصطدم مباشرة بتقرير الطب الشرعي، وأقوال الشهود، وآثار الكدمات والإصابات المتعددة، فضلًا عن اختفاء الزوج ووالدته عقب الواقعة، وهو ما اعتبرته جهات التحقيق سلوكًا مثيرًا للريبة.
شخصية الجاني… علاقة مضطربة وسلطة قهر من خلال أقوال الأسرة والجيران، تتضح ملامح علاقة غير متوازنة:
عزلة الزوجة عن أسرتها لفترات طويلة
منع الزيارة بحجج واهية
سيطرة واضحة للأم داخل بيت الزوجية
علاقة تقوم على القهر لا الشراكة
وهي سمات متكررة في جرائم العنف الأسري، حيث تتحول الزوجة إلى طرف ضعيف محاصر بين زوج متسلط وأم تمارس نفوذها داخل البيت.
قال الله تعالى:
> ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32)
وقال سبحانه:
> ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: 19)
فأي معروف في الضرب؟
وأي دين يبرر إزهاق روح؟
السنة النبوية: لا ضرب ولا تبرير
قال رسول الله ﷺ:
> «خيركم خيركم لأهله»
وقال ﷺ:
> «استوصوا بالنساء خيرًا»
ولم يثبت عنه ﷺ أنه ضرب امرأة قط، بل جعل الإيذاء ظلمًا صريحًا.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
> «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟»
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
> «أشد الظلم ظلم الضعيف»
ولا أضعف من امرأة أُغلِق عليها الباب.
قال ابن تيمية: «كل ضرب أفضى إلى إدماء أو كسر فهو حرام باتفاق العلماء»
قال النووي: «إيذاء الزوجة ظلم محرم ولو كان داخل بيت الزوجية»
راي الأزهر الأزهر الشريف العنف الأسري جريمة شرعًا وقانونًا.
التستر… جريمة شرعية قبل أن تكون قانونية
قال ﷺ:
> «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله»
فتغيير الملابس، وإخفاء الحقيقة، ومحاولة خداع العدالة… إثم مضاعف.
وهنا القانون يقول كلمته
القتل العمد: الإعدام أو السجن المؤبد
الضرب المفضي إلى الموت: جناية كبرى
التستر والعبث بالأدلة: جريمة مستقلة
ولا اعتبار لأي صلة قرابة أو رابطة زوجية.
عروس قويسنا لم تمت فقط تحت الضرب،
بل ماتت أيضًا تحت الصمت،
وتحت سلطة القهر،
وتحت محاولة غسل الجريمة بالكلمات.
قال الشرع والشهود قالوا الحقيقة.
والقانون ينتظر أن يقول الفصل.
ويبقى السؤال للمجتمع كله:
هل نختار العدالة… أم نكرر المأساة؟

