الدكروري يكتب عن الإستفادة من آيات الله
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رفع منزلة أهل العلم والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيدا، فهو صلى الله عليه وسلم القائل ” إنما الأعمال بالنيات” فيكفي ويشفي ويفي المقصود، ويستولي على المعاني ويطوي مسافات من الأحكام والعقائد والآداب والأخلاق في جملتين زاهيتين جامعتين، فتصبح قاعدة للعلماء ومثلا للحكماء وكلمة شاردة للأدباء، وخذ مثلا كلامه صلى الله عليه وسلم على البديهة والفجاءة يدخل طفل من الأنصار له طائر يلعب به فمات فيقول صلى الله عليه وسلم ” يا أبا عمير ما فعل النغير؟”
فانظر الى تقابل العبارة وحسن السجعة وموازنة الجملتين، لا شطط، ويقول في حنين على وجه العجلة ” أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب” فلو أن علماء الكلام وأساطين البيان أرادوا هذا الكلام على عجلة من أمرهم لما تأتى لهم، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد، فإن الإنسان إذا استعمل عقله استعمالا صحيحا قاده إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على طريق مرضاته، واستفاد من آيات الله تعالى المسطورة كثرة تلاوة وتدبرا وعملا، ومن آيات الله المنشورة في هذا الكون نظرا وتفكرا واهتداء، وانتفع من مواضع العبرة انكفافا عن أسباب الهلاك، وإقبالا على سبل النجاة، ومن استعمل عقله استعمالا صحيحا ظهر على أقواله وأفعاله الصواب والاستقامة، وصار من أهل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
وغدا محبوبا عند أهل السماء وعند أهل الأرض، وأصبح لديه نور يسلك بضيائه إلى منافع دنياه ومصالح عيشه من أسهل الطرق وأسلمها، وأضحى منشغلا بأسباب نجاته غير منشغل بما يعني الناس ولا يعنيه، وإذا زاد عقله في الإشراق، والاتساع أصبح ينظم حياته الدينية والدنيوية، فيسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، مستفيدا من أخطاء الماضي لئلا يعود إليها في المستقبل، متعظا بمواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم، فالعقل منظم الحياة ومديرها، فإذا تشبع بمعارف صحيحة وإضاءات سليمة كانت مخرجاته صائبة مفيدة، وإن العقل إذا اكتمل واستنار عند صاحبه أثمر له معرفة استغلال الفرص وكيفية الاستفادة منها فقد أدرك بتجاربه وتجارب غيره التي أضافها إلى عقله أن الفرص أطياف تمر.
وأنفاس تخرج لا تعود مرة أخرى إلا أن يشاء الله، فعندما يجد الفرصة أو يعيش فيها فإنه يستفرغ حاجته منها ولا تفارقه إلا وقد نال منها ما يريد، فيا أيها المسلم العاقل، إن عمرك فرصة، وفراغك فرصة، ورخاؤك فرصة، وأمنك فرصة، وقدرتك فرصة، وأمرك بيدك في بعض شؤونك فرصة، وامتلاك الوسائل الميسرة والمؤثرة فرصة، فلا تضيعن منك هذه الغنائم وتمر عليك وأنت نائم غير مكترث بها، ويا أهل الحجا، إن العقل إذا اكتمل واتسع عرف صاحبه كيف يخرج من المضائق، ويفك عنه قيد المآزق، وكيف يتعامل مع المواقف الشديدة التي تطيش فيها الأحلام، فينقب عقله الفسيح جُدد الأزمات وحصونها العتيدة ليصل إلى مخارج من قبضتها بالأسباب المباحة والوسائل الصحيحة المتاحة.