بقلم رامي زيدان
في أحدي قري الفيوم يقنط {خليل } شاب مكافح لديه طموح ، كان يعمل مزارع باليومية عند المزارعين، يحرث الأرض بفأس عريض ويجرف مخالب الأرض حتي يصب العرق علي وجهه صبا، فهذه مهنته لكنها شاقة للغاية، وبعد أنتهاء يومه يقوم بإلقاء نفسه في الترعة ، ويغتسل من العرق والأتربة ، أما هيئته كانت غريبة لبعض الناس، فوجهه مريب وملامحه عريضة للغاية ، ذو بشرة سوداء وبنيان قوي ، وأيدي مفلتحة ، لكنه كان مميز بعمله الدءوم ، حاول ان يخرج من دهاليز القرية ويغير جلده ويخلع ثوب الأرض والزراعة ، حتي قرر أن يسافر إلي المدينة للحصول على فرصة عمل فختار القاهرة ، ولكن محاولاته بادت بالفشل حتي أمتلكه الأحباط وخيبة الأمل ، فلايعرف لماذا يرفضونه، لكنه كان مطمعا لأي مزارع نظراً لكفائته الفائقة وأدائه الباهر ، ربما هذا يجعله الأفضل بين المزارعين، بينما جاء شاب يدعى {زهران} يحمل رسائل عمل في القاهرة ةمن قبل مقاول شهير ذاك الوقت، فيحتاج إلى عمال أقوياء، فسمع بذلك وترجلا إلي منزله ، وقرع الباب ثم دخل ، واستقبله زهران في سرور وترحاب، وقال مرحبا أخي خليل ،
شكرا لك يازهران ،
خليل كنت سمعت عن عمل في القاهرة من خلالك،
زهران : نعم هناك مقاول في القاهرة يريد عمال في مجال الخراسنة ،
خليل : أنا أحتاج إلى مثل هذا العمل ،
زهران : ليس لدي أي مشكلة في هذا فأنت شخص عملي وجاد،
اتفقوا على أن يكون السفر يوم السبت المقبل ، بينما خرج من عنده والفرحة تغمر عينيه، وصدره منشرح لأستقبال الرياح، كان يحدث نفسه ويقول ،لقد وضعت يدي على خيط أو حبل للوصول إلى المدينة ، سأتمسك بالفرصة بأيدي وأسناني وأحتويها بضلوعي كي لا تهرب مني وتضاف إلى هزائمي السابقة والمتكررة،
كنت أول الحاضرين في الصباح الباكر ومعي حقيبة أضع فيها بعض ملابسي وأشيائي ، ثم حضر زهران وهو يركب سيارة نصف نقل ولوح لنا بالركوب ، كنا حوالي مايقرب من عشرة شباب من القرية الفقيرة والمعدمة ، ويسمونها {سنورس} وهي بمحافظة الفيوم ، كان الهواء محمل بالبارد القارص، يلفح وجوهنا ويطير العمائم ويداعب الجلباب، دخلنا القاهرة فشرعت بعيني إلي المحلات المشغولة بالزبائن ، والشوارع النظيفة والواسعة، والموظفين والطلاب والبنات المتحررة في ملبسها، ربما هذا التكدس قد شد أنتباهي لمعرفة الحياة الجديدة لدي، لكن سؤال معقد ينخر في عقلي ، هل سأنخرط في هذه المعيشة معهم ، وأتلقي التغيير ببراعة ، وصلنا موقع العمل وهو بناء برج مهول يتكون من حادي عشر طابق في مدينة نصر، فقمت بخلع جلبابي وارتديت عفريتة زرقاء للعمل، حان وقت البداية ، بدأت أحمل علي ظهري شكائر من الأسمنت تارة وتارة أحمل أناء من المونة وأسير علي الصقالة ، يحتاج هذا العمل إلي بذل جهد مضاعف فالفرق شاسع بين الزراعة والحمولة الخطرة ، توالت الشهور وحصلت على مبلغ من المال اليسير ، ثم هرولت إلي مكتب البريد ووضعت في مظروف مبلغ من المال ثم حولته إلي والدي، ضغط علي صحتي وعملت ساعات متتالية ، ربما تسببت في أرهاقي ، كنت حماسي لدرجة فائقة في سرعة العمل ، وفي ذات يوم شعرت ببعض الأرهاق وأنا أسير علي الصقالة ووضعي غير متزن ، بينما أنحدرت وتخلت قدمي وأفقدت توازني ثم سقط علي الأرض وذلك من الدور الثالث ، فحمدت وشكرت ربي علي هذا البلاء ، بعدما نقلت إلي المستشفي ومعي زهران والمقاول في طريقه من خلفنا ، بعدها التشخيص قد ظهر كان كسر في قدمي اليمني وشرخ في الجمجمة ، هذا الأمر جعل المقاول يتعاطف معي ، لدرجة أنه غضب غصبا شديدا مما لحق بي فيسميها كارثة ، فلقد أفتقدني بدما كنت الرجل المهم لديه في العمل ، فكانت طلباتي منفذة من علاج ومصاريف هذا من متابعته لي ، مرت حوالي ستة أشهر وبدأت أتكأ علي العكاظ وأتحرك ببطئ،
كل هذا وأنا مستضاف في بيت المقاول وأهلي لايعلمون شئ عن معاناتي ومرضي ، جاءني زهران واستقليت سيارته وذهب بنا إلي قريتي حتي وصلنا ، نزلت من السيارة وزهران يسندني ، فرأيت والديه وهم يصاحون من الدهشة من أصابتي، لقد أوجعتهم من حالي ،لكن تفاجئت بالمقاول أمامي مالذي جاء به الآن ولكنه كان حريص كل الحرص لمتابعتي ، تدخل المقاول في الكلام عندما رأي والدي محزونيين، وقال لهم كلمات رائعة حتي هدأوا جميعا ، بعدها ركضت علي السرير، ثم أخرج المقاول مظروف مقفول ، ووضعه تحت الوسادة ، وطبطب عليه وقال: لو أحتجت أي شيء أتصل بي فوراً، وتصافحنا وغادروا المكان هو وزهران ، كانت ليلة كئيبة وكريه،
بعدما أسترجعت الأيام الماضية وجسدي ملقي علي الفراش عاجز الحركة ، ربما تأثرت كثيرا من محاولاتي البائسة للخروج من هذا النفق المظلم الذي أقتحم حياتي،
بينما الوقت قد حان لموعد فم أربطة الحبس ، وبعدها سأقوم بالعلاج الطبيعي ومراحل الأستشفاء قد يأخذ هذا بعض الوقت ، ولكني لن أعود كما كنت عليه من قبل ، هذا ما أخبرني به الطبيب المعالج، بدأت حالتي تتحسن حتي سيرت علي قدمي لكن خطواتي بطيئة وبها أنعوجاج،
أحضرت أمي مبلغا من المال المتبقي حصيلة عملي وقتها وقطعتين من الذهب ، ثم أرتدت عباءتها وخرجت لخطبتي من فتاة تدعى {مديحة} كانت فقيرة جدا فأسرتها كبيرة من ناحية الأولاد فتعدهم حوالي أثني عشرة أخوات ، فوالدها متزوج ثلاث نساء ، مديحة أرادت أن تخرج من ويلات الزحام وتلتقي بفارس أحلامها الذي يحضر علي فرس أبيض اللون ، ويمنحها الأمان والحب والحنان والعطف من طبيعته ،
تمت الزيجة في أقرب وقت ، سرعان ما تاألفنا مع بعض في بيت يملأه الدفئ والحنان، وتبدر مديحة في الأنجاب ،
بعدها أتصل المقاول بي ، وهنأني بمباركة الزواج السعيد ، وعرض عليه العمل في برج في شارع عباس العقاد كحارس عقار ، بدون تفكير وأنتظار وافقت فورا علي العرض المقدم منه،
ويافرت إلي القاهرة بصحبة زوجتي ، وأستلمت العقار من رئيس أتحاد الملاك ، ثم أوصي عليه المقاول، كان عدد الشقق مايقرب من ثلاثون شقة ، كنت لهم الحارس الأمين
صاحب الأسلوب الجميل ، ووصلت الثقه بيننا إلي حد كبير ،
أما زوجتي وقفت معفي في العمل ، فكانت تمسح وتغسل سجاد للسكان ، أما أنا كنت أقوم بالطلبات من المحلات والأسواق، وكرمني الله بمال وفير ورزقني أيضا بثلاث أبناء، حتي هرموا ووثلوا إلي المراحل التعليمية المختلفة،ولكن أردت أن أتزوج الثانية نزلت إلي قريتي وأتممت الزواج بفتاة جميلة تدعي{ محسنة } البنت المتعلمة ، فهي خريجة دبلوم زراعة ، ولكنها تمتلك من الثقافة الكثير ويطابقها عقلها نضجا وفهم،
أتي بها إلي مسكنه مع زوجته مديحة ، ولكن محسنه غضبت وتمردت علي الوضع بعد ما صارت العلاقة مضربه بينها وبين مديحة مسدودة تماما، تدخلت بينهم ولكن فكرة أيجار شقة صعبة الآن، فكانت عمارة قريبة تحتاج إلى حارس عقار ، فتفقت علي العمل فيها ونقل زوجتي الثانية محسنة إليها ، ومباشرة العمل عليهن ، حتي قسمت الفترات في النهار أكون عند مديحة وفي الليل عند أذهب عند محسنة ، مرت الأيام وأنحبت محسنة ثلاث أبناء ، لتتعادل الكفة مع ضرتها، بدأت أهملهم واتغاضي العمل فهم فهموا كل شيء،وأذهب علي المقاهي معظم الوقت ، ألعب الدموينا والكاتشينة ، وأشرب الشيشة والقهوة دائما،
كانت تثار الحكايات المثيرة والشاذة ، فهو وقت ترفيهي لنا،
أما محسنة كان هذا الشئ يؤذيها هي ومديحة فيتركهم يعملون ويربون دون أدني مسئولية منه، بدأت الثورة من محسنة عليه وبكلمات جارحة تلقيها علي وجهه كالصاعقة، كنني كنت لا أبالي حتي لاتنغص عليه معيشتي،
عرضت الأمر علي أصدقائي في القهوة يبدوا أنهم أصحاب سوء ، وتنصت إلي نصائحهم العنيفة والمفسدة،
لكن زادت المشاحنات وتطاولت الأيدي بالتشابك والألفاظ الحمقاء، كادت محسنة أن تسقط علي الأرض ولكنها أمتلكت نفسها ، فتفقت مع مديحة بالهروب إلي قريتهم وأعطاءه درسا قاسيا،
وصلوا إلى منازلهم غاضبين ، ثم وكلوا محامي شهير برفع قضية إلي محكمة الأسرة بالنفقة ثم الطلاق ،
دارت هذه المنازعات في ساحة القضاء ، ختي أخذوا حكم بالأنفاق علي الزوجتين والأبناء الستة ، بعدها صارت حياته جحيما ، فرجع لهم يطلب العفو والسماح، ، ولكن هذا كان بشروطهم وهو السكن في القرية ، وان يعمل أي عمل مما أكتسب، ودارت الأيام والحياة بينهم هنيئة مريحة يسودها جو الألفة والحب والأحترام،
قصة قصيرة بعنوان {البواب البوب}