لو تعلمون ما أعلم
محمود سعيد برغش
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “خَطَبَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ؛ قالَ: لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قالَ: فَغَطَّى أصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وُجُوهَهُمْ، لها خَنِينٌ، فَقالَ رَجُلٌ: مَن أبِي؟ قالَ: فُلَانٌ، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}”[المائدة: 101].
شرح الحديث
هذا الحديث الشريف أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، باب: ترك إكثار السؤال عما ليس له ضرورة أو لا يتعلق به تكليف أو لم يقع..
”لو تَعْلَمُونَ ما أعلم”: النبي صلى الله عليه وسلم يعيّشنا الفرق بيننا وبينه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلقى من الله تعالى بالوحي المباشر، وبالإلهام وبالبصيرة وبالتنبؤات لما سيحدث في تاريخ الزمان، “لو تَعْلَمُونَ ما أعلم”: كلمة عامة وجميلة وفيها مسؤولية، “لو تَعْلَمُونَ ما أعلم”: من الأحمال الصعبة التي تنتظر الإنسان، لو تعلمون العاقبة التي تجري على الظالمين والنجاة التي تجري على المؤمنين، لو تعلمون ما علمني ربي من كل شيء في هذه الحياة ومن كل شيء في مستقبل الزمان، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: عقاب أهل النار، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: انتظار الناس للحساب.
علمنا بجوار علم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكاد يُذكر مطلقا، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: لزهدتم في الدنيا، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: لاستعففتم في الدنيا، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: ما ضاعت منكم فرص العبادة والترقي والتنقي والتحلي، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: ما هزمكم الشيطان، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: ما فتحتم أبوابا للعصيان، لو تَعْلَمُونَ ما أعلم: ما أصابكم الهم والغم والكرب العظيم..
لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا: أي أن الإنسان سيزهد في الحياة زهدا شديدا ولن يضحك إلا قليلا، تختفي البسمات والضحكات؛ لأنك تترقب حسابا عسيرا، نبكي خوفا مما سيجري علينا وربما نبكي انتظارا.
ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا: على تفريطكم في حق الله تعالى، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا: لأنكم قصرتم في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وخدمة الإسلام، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا: لأنكم أسرفتم على أنفسكم وطلعت الشمس عليكم وأنتم لا زلتم نائمين.
لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا: يعني زهدتم في الدنيا وأغراضها، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا يعني: خوفا من العقاب والحساب والمسائل الصعبة عليكم.
لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، هذا الكلام خوف الصحابة رضي الله عنهم فغطوا وجوههم، قالَ راوي الحديث: فَغَطَّى أصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وُجُوهَهُمْ، لها خَنِينٌ، والخنين هو الصوت المرتفع بالبكاء عندما يحدث تأثر لدى الإنسان.
الخنين يخرج من الصدر، “فَقالَ رَجُلٌ: مَن أبِي؟”يعني يشك في نسبه، قالَ: فُلَانٌ، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
أصحاب الهمة العالية لا يسألون في التوافه، ولا في السفاسف، وإنما يتعلقون بحال الله تعالى وبحال النبي صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كل شيء ولم يبخل علينا بشيء، وقدم لنا كل أبواب الخير الناجحة.
لو تعلمون ما أعلم