الرئيسيةأخبار العالممصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود
أخبار العالم

مصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود

مصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود

مصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود؟
بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

في صباح بدا مختلفًا عن كل صباح، أصغى العالم إلى بث مباشر يجمع بين القاهرة وموسكو؛ لم يكن لقاءً سياسيًا عابرًا، بل احتفالية تاريخية بلحظة تُعد الأخطر والأكثر دقة في التاريخ الصناعي المصري: تركيب وعاء ضغط أول مفاعل نووي سلمي في محطة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي لمصر.

داخل الموقع المحاط بأعلى درجات التأمين والتكنولوجيا، ارتفع جسم معدني عملاق يزن أكثر من 330 طنًا، مصنوع من فولاذ خاص مقاوم للإشعاع، تحمله رافعة نووية مهيبة يتحكم فيها مهندسون مصريون وروس بدقة تتجاوز دقة العين البشرية، حتى لا يزيد هامش الانحراف عن نصف ملليمتر فقط.
هذه ليست مجرد عملية هندسية؛ إنها اللحظة التي بدأت فيها القلب النووي لمصر ينبض لأول مرة.

الرئيس السيسي ظهر جانبًا إلى جانب مع الرئيس بوتين — رغم المسافة — في مشهد يُشبه إعلان ميلاد دولة جديدة، دولة لا تكتفي بإنتاج الطاقة، بل تُنتج المستقبل.

من الضبعة… بدأت الحكاية

لم تولد فكرة المشروع بين ليلة وضحاها. بدأت منذ زمن بعيد، منذ حلم عبد الناصر بأن تمتلك مصر مفاعلاً نوويًا لتوليد الكهرباء. تعاقبت العقود وظلت الفكرة حبيسة الملفات والدراسات، حتى جاء الوقت الذي توافرت فيه ثلاثية النجاح: إرادة سياسية، رؤية استراتيجية، واستعداد علمي وتقني.

حين تولّى الرئيس السيسي الحكم، لم يُحيِ الفكرة فقط، بل حوّلها إلى مشروع دولة، مُخطط، ممول، مدروس، وتحت رقابة دولية، وبشراكة هي الأضخم في تاريخ العلاقات المصرية-الروسية منذ بناء السد العالي.

لماذا يُعد تركيب وعاء الضغط لحظة مفصلية؟

لأن هذا الوعاء هو قلب المفاعل النووي؛ فعندما يُركّب، يُعتبر المفاعل قد ولد رسميًا. سيحتوي لاحقًا على قضبان الوقود النووي، وسيكون المسرح الذي تجري فيه التفاعلات النووية الخاضعة للسيطرة الدقيقة، لإنتاج طاقة نقية تكفي لإنارة مدن كاملة.

وبات واضحًا للعالم أن مصر لم تعد مجرد دولة “تخطط” للطاقة النووية، بل دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي، وبدأت أول خطوة نحو التشغيل.

مشروع الضبعة… ليس محطة فحسب بل ملحمة وطنية

مشروع الضبعة لم يُصمَّم ليكون مجرد محطة كهرباء، بل مشروعًا يحمل ثلاث رسائل كبرى للعالم:

رسالة سيادية: بأن مصر تمتلك إرادة استراتيجية تُمكّنها من التحول إلى دولة نووية سلمية، وليس فقط مستهلكة للطاقة.
رسالة علمية: أن مصر بدأت رسميًا بتوطين التكنولوجيا النووية، وتدريب كوادر قادرة على تشغيل وإدارة وصيانة المفاعلات.
رسالة حضارية: أن مصر، التي بنت الأهرامات والسد العالي، تبني اليوم معجزة هندسية جديدة — ولكن هذه المرة، في قلب العلم النووي.

الضبعة… مدينة المستقبل النووي

لم يعد الموقع مجرد محطة، بل تحوّل إلى مدينة علمية نووية مصرية خالصة، تضم:

مركزاً متقدماً للأبحاث النووية والتطبيقات الطبية
مدرستين ومعهداً متخصصاً لإعداد الفنيين والمهندسين النوويين
أنظمة محاكاة للتحكم النووي بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
مركز وطني للتأمين النووي والإشعاعي
ومناطق صناعية لتصنيع أجزاء من المفاعل — لأول مرة في الشرق الأوسط

ولأول مرة، بدأت مصر تنتقل من مرحلة “امتلاك التكنولوجيا” إلى مرحلة “صناعة التكنولوجيا”.

ماذا يعني أن تصبح مصر دولة نووية سلمية؟

أن تتغير خريطة الطاقة والاقتصاد والصناعة والعلم لخمسة عقود قادمة.
أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة ليس فقط في الغاز والكهرباء، بل في الوقود النووي وتكنولوجيا المفاعلات.
أن تدخل الأجيال الجديدة عصرًا جديدًا، تتعلم فيه الفيزياء النووية والهندسة الإشعاعية، تمامًا كما تعلمت في الماضي الهندسة والبترول.

أن تصبح مصر مؤهلة لتصدير الكهرباء النووية إلى أوروبا، وتزوّد القارة الذكية بالطاقة النظيفة، عبر شبكات الربط الكهربائي والغازي.

لماذا اختارت مصر الطاقة النووية الآن؟

لأن العالم يتغير. ومع ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء، وظهور تحديات المناخ، لم تعد الطاقة الحرارية أو الغازية كافية وحدها، ولم تعد الشمس والرياح قادرة على تغطية الاحتياجات كلها.

الطاقة النووية تُوفّر:
إنتاجًا ضخمًا ومستمرًا 24 ساعة
أقل تكلفة تشغيلية على المدى الطويل
عدم تأثر بالإحلالات أو التقلبات المناخية
أمانًا بيئيًا وانبعاثات شبه صفرية
عمرًا تشغيليًا يصل إلى 80 عامًا

هذا ما جعل دولاً مثل فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان تعتمد حتى الآن على الطاقة النووية كمصدر رئيسي للكهرباء.

والآن… مصر تنضم إليها.

مصر وروسيا… ليس تعاونًا عاديًا

الشراكة في الضبعة ليست صفقة بيع وشراء، بل عقد شراكة استراتيجية طويلة الأمد، تشمل التدريب، التشغيل، صناعة الوقود، وحتى إدارة النفايات النووية بأعلى درجات الأمان.

وقد وقّعت مصر وروسيا اتفاقًا رسميًا لتوريد الوقود النووي وتشغيل المفاعلات خلال كامل عمرها التشغيلي — ما يعكس ثقة دولية في قدرة مصر على إدارة البرنامج النووي السلمي على المدى الطويل.

ختامًا…

الضبعة ليست مشروعاً هندسياً… إنها رسالة.
ليست مجرد محطة كهرباء… إنها بداية عصر جديد.
ليست خطوة في طريق التنمية… إنها الطريق نفسه.

إنه المشروع الذي سيجعل الأجيال القادمة تقول:
في هذا المكان… بدأ عصر مصر النووي.

مصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود

مصر تشعل فجرًا نوويًا جديدًا: كيف تحوّل حلم الضبعة إلى مشروع سيغيّر وجه الدولة لعقود

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *