كتب/سعيد ابراهيم السعيد
تتجه الأنظار إلى لاهاي، حيث تَعقد محكمة العدل الدولية جلساتها الأولى، اليوم الخميس 11 يناير ، للنظر في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، بتهمة “الإبادة الجماعية” في غزة.
وعلى الرغم من أنها ليست عضواً في المحكمة وترفض ولايتها القضائية، فإن إسرائيل وافقت على المثول أمامها من أجل دحض ما وصفتها بالاتهامات “السخيفة التي تفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني”.
وأرسلت إسرائيل قاضياً سابقاً بالمحكمة العليا كان قد نجا من المحرقة النازية (الهولوكوست) التي وقعت قبل توقيع اتفاقية الإبادة الجماعية.
وستتناول جلسات الاستماع مطلب جنوب إفريقيا فرض إجراءات طارئة، وإلزام إسرائيل تعليق عملياتها العسكرية في غزة، في حين ستنظر المحكمة حيثيات القضية، وهي عملية قد تستغرق أعواماً.
ما تقوم به جنوب أفريقيا عمل عظيم..
أدى لتشجيع عشرات الدول في دعم محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وبرغم الإبادة الجماعية في غزة ثابتة بالصوت والصورة لكن للأسف فإدانة المحكمة لإسرائيل ليست سهلة..
إسرائيل ربما تفلت من المحكمة لسبب واحد (هو إثبات عدم توافر النية المسبقة في الإبادة) وهو ما تركز عليه أمريكا حاليا بنفي تعمد الإبادة عن قادة إسرائيل..
وللتوضيح: فقانون محكمة العدل الدولية يعرف مفهوم (الإبادة الجماعية) على أن هناك عنصرين أساسيين فيه (عقلي + نفسي)
العنصر العقلي: هو الأدلة المادية المحسوسة والملموسة، وهذا متوفر بآلاف الفيديوهات الخاصة بالجرائم الصهيونية، وعلى مدار الأسابيع الماضية حرصت جنوب أفريقيا وفريق كبير من المتطوعين على جمع ما يمكن جمعه من أدلة..
أما العنصر النفسي: هو النية المسبقة..
فالمحكمة لا يمكنها إدانة طرف بارتكاب إبادة جماعية دون توافر شرط الينية وسبق الإصرار والترصد، لما ينطوي على ذلك من محاكمة شعبية ودولية تاريخية..
جنوب أفريقيا وفريق المحامين التابع لها فطن لهذا الأمر جيدا واستعد له، وأعد كثير من الأدلة لإثبات العنصر النفسي ووجود نوايا مسبقة أبرزها (تصريحات القادة الإسرائيليين) في بداية الحرب والتي تصف سكان #غزة بالحيوانات وأنه لا ماء ولا طعام ولا دواء..إلخ،
فضلا عن استدعاء هؤلاء القادة نصوص من التوراة لعقاب الفلسطينيين جماعياً، وهو ما يثبت وجود نوايا مسبقة بعقاب جماعي شامل لا يتوقف فقط على القتل بل على التجويع والتعذيب بمختلف أشكاله.
إذا سقطت إسرائيل في محكمة العدل الدولية وتمت إدانتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة فسوف تسقط أمريكا أيضا بنفس التهمة حيث ارتكبت أمريكا أفعال إبادة في عدة دول، وسيجري فتح شهية الشعوب لمحاكمة أمريكا وتلجيم ووقف آلتها العسكرية..
لذلك فأمريكا تدعم إسرائيل بكل قوتها في هذا الملف..وتصرح من حين لآخر بأن إسرائيل لم تقصد فعل الإبادة، وهي لم تقتل الفلسطينيين عن عمد كوسيلة للهروب من الإدانة في المحكمة..
جنوب أفريقيا استندت في دعواها على تصريحات نتنياهو وجالانت وقادة آخرين في إسرائيل بالتحريض المباشر والعلني على عقاب سكان غزة جماعيا، منها تصريحات دينية وشتائم وتعميمات على كل سكان القطاع..
بينما إسرائيل تقول أن هذه اللغة ربما كانت غير حكيمة في وقتها ولن تتكرر، لكنها لا تعبر عن قصد الإبادة..فزعماء العالم في الحرب العالمية الثانية صرحوا كثيرا بذلك منها تصريحات أمريكية (بأنه لا يوجد مدنيون في اليابان) ..
والنخبة الإسرائيلية حاليا تستدعي كلام الأمريكيين قبل إسقاط القنبلة الذرية في اليابان كحجة لهم بأن هذه التصريحات ليست دليلا على الإدانة..وإلا (فعاقبوا أمريكا)…وهم بذلك يتوسلون بأمريكا لكي تحميهم ولا يحكم القضاة على زعماء الكيان الصهيوني..
مع ذلك فإثبات العنصر النفسي أو النوايا المسبقة غير مضمون في ظل حرص أمريكا والغرب على الدفاع عن قادة إسرائيل بأي ثمن حتى لو كان تهديد قضاة المحكمة وابتزازهم.
فلأول مرة في التاريخ يمثل قادة إسرائيل أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهي سابقة لها دلالاتها في تطور العالم وانقلاب ثقافته من التعاطف مع إسرائيل بدعوى المحرقة إلى الغضب عليها بدعوى إبادة الفلسطينيين عرقياً.
وتُحقق محكمة أخرى في لاهاي، وهي المحكمة الجنائية الدولية، بشكل منفصل في تهم ارتكاب فظائع في غزة والضفة الغربية المحتلة، وفي هجوم 7 أكتوبر، لكنها لم تُسم أي مشتبه بهم وإسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وترفض ولايتها القضائية.
#حفظ_الله_مصر
من التعاطف بدعوى المحرقة إلى الغضب بدعوى الإبادة