الرئيسيةمقالاتمن هنا بدأت الحكاية 
مقالات

من هنا بدأت الحكاية 

من هنا بدأت الحكاية 

اليوبيل الذهبي جامعة حلوان “كليات الفنون من المدارس الفنية إلى منارات الإبداع في تاريخ الفن المصري”    

 

كتب : احمد سلامة

 

بدأت مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر، رحلة طويلة في تأسيس مؤسسات تعليمية للفنون، رحلة انطلقت من أقسام صغيرة للتلوين والرسم والموسيقى داخل مدارس ومعاهد، لتتحول مع مرور الزمن إلى كليات كبرى تحت مظلة جامعة حلوان. هذه الكليات لم تكن مجرد أماكن للتعليم، بل كانت مصانع للرواد، ومراكز للإبداع، ومرآة لهوية مصر الفنية التي جمعت بين الأصالة والحداثة. ومن الفنون الجميلة إلى الفنون التطبيقية، ومن التربية الفنية إلى التربية الموسيقية، تشكلت منظومة متكاملة صنعت تاريخاً فنياً وثقافياً لا يُنسى.

 

كلية الفنون التطبيقية

 

تعود البدايات الأولى إلى عام 1839، حين أنشأ محمد علي باشا مدرسة الفنون والصنائع، بهدف إعداد الكوادر الفنية والصناعية اللازمة لبناء الدولة الحديثة، وكان التعليم آنذاك قائمًا على الحِرف والصناعات، مثل النسيج، والمعادن، والنجارة، والزخرفة. وفي أواخر القرن التاسع عشر شهدت المدرسة تطورًا تدريجيًا في بنيتها التعليمية، واتساعًا في تخصصاتها الفنية والصناعية، تمهيدًا للتحول من التعليم الحِرفي إلى التعليم التطبيقي المنظم، وفي أواخر عشرينيات القرن الماضي، انتقلت مدرسة الفنون والزخارف إلى سراي الأورمان، وهناك أعيد تنظيم الدراسة لتمنح دبلومات صناعية. عام 1934 تولى الفنان المصري محمد حسن الشربيني الإدارة، وبدأ مشروع “التمصير” الذي اكتمل عام 1939.  

وفي عام 1941 تغير اسمها إلى مدرسة الفنون التطبيقية العليا، وأصبحت الدراسة خمس سنوات، وأضيفت شعبة التصوير الضوئي عام 1947. ثم تغير الاسم إلى المعهد العالي، ثم الكلية الملكية، وبعد ثورة يوليو استقر على “كلية الفنون التطبيقية”.  

عام 1961 تحولت الشهادة إلى بكالوريوس، وأضيف قسم التصميم الصناعي، لتصبح الكلية بثلاثة عشر قسماً. وفي 1975 انضمت إلى جامعة حلوان، لتضم أقساماً حديثة مثل الفوتوغرافيا والسينما والتلفزيون، الطباعة، النشروالتغليف، الإعلان، التصميم الداخلي والأثاث، التصميم الصناعي،تصميم الأثاث والانشاءات المعدنية ،المنتجات المعدنية، الحلي، الزجاج والخزف، النحت، الزخرفة، والغزل والنسيج، طباعة المنسوجات والصباغة والتجهيز، الملابس الجاهزة، كما تضم الكلية ٧برامج خاصة هي علوم تصميم الأثاث، التصميم الايكولوجي، الاعلان الرقمي، علوم التغليف، الوسائط المطبوعة، الموضة والمنسوجات، الزجاج المعماري.  

 

كلية الفنون الجميلة 

 

مع مطلع القرن العشرين، بدأت مصر تشهد نهضة فكرية وثقافية واسعة قادها رواد التنوير مثل مصطفى كامل وقاسم أمين، الذين سعوا إلى تأسيس مؤسسات علمية وفنية أهلية تعكس روح العصر الحديث. وفي هذا السياق، دعم الأمير يوسف كمال فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة عام 1908، بمساعدة المثال الفرنسي جاليوم لابلان، لتكون أول مؤسسة أكاديمية فنية في مصر على النظام الفرنسي، وبداية حقيقية لتأصيل الفن الأكاديمي في المجتمع المصري.  

 

افتتحت المدرسة في مبانٍ متواضعة بباب اللوق ودرب الجمامير، لكنها سرعان ما تحولت إلى صرح ثقافي وفني كبير. وفي عام 1910–1911 وضعت تحت إشراف وزارة المعارف العمومية، وأدخلت إصلاحات على لوائحها، ثم شهد عام 1912 أول امتحان دبلوم، حيث تخرج 176 طالبًا حتى عام 1926، أُوفد 22 منهم في بعثات إلى فرنسا وإيطاليا، أبرزهم المثال محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر.  

 

وفي عام 1929/1930 بدأت الدراسة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، مدة الدراسة أربع سنوات، لتسهم في نشر الفن الراقي وربط الحركة الفنية بالنهضة الفكرية والعلمية في مصر.  

 

وفي كلية الفنون الجميلة برز عدد من المعماريين والفنانين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الفن المصري، منهم: رمسيس ويصا واصف، أحمد عثمان، يحيى الزيني، أنطوان نحاس، كمال الملاح، جلال مؤمن، ألبير زنانيري، ألبير خوري، جاك هاردي، إضافة إلى المثال العظيم محمود مختار.  

أما الرعيل الأول للفنون الجميلة فقد ضم أسماء وفنانين ورواد فن التصوير في مصر، محمد حسن، يوسف كامل، راغب عياد، أحمد صبري، بينما تألق فنانون بارزون مثل حسني البناني، كامل مصطفى، صلاح طاهر، جميل شفيق، حسين بيكار، عبد العزيز درويس، رمسيس يونان وغيرهم.  

كما أسهم رواد الحركة التشكيلية المصرية مثل صلاح عبد الكريم، عبد الهادي الجزار، حامد ندا، سمير رافع، جورج البهجوري، المعماري والمخرج الكبير شادي عبد السلام، علي مهيب، سامي رافع في إثراء المشهد الفني المصري.  

 

ومن أبرز الفنانين المرتبطين بالكلية: زينب السجيني، الدكتور ناجي شاكر (مصمم ومؤسس مسرح العرائس، أوبريت الليلة الكبيرة), حلمي التوني، مصطفى حسين (أشهر رسامي الكاريكاتير)، محمود رحمي (مصمم العرائس)، علي مهيب، إيهاب شاكر، وفي مجال النحت الحديث برزت أسماء مثل الرواد جمال السجيني،محمود مختار، كذلك عبد الهادي الوشاحي، آدم حنين، صبحي جرجس، فاروق إبراهيم، كمال خليفة.  

 

تطورت الكلية لتضم أقسامًا متعددة تغطي مختلف مجالات الفنون:  

– التصوير: يشمل التصوير الزيتي والجداري.  

– الجرافيك: يضم التصميمات المطبوعة، فنون الكتاب، الرسوم المتحركة.  

– النحت: يشمل النحت الفرعوني، الميداني، الميدالية، والنحت البارز.  

– الديكور: يضم العمارة الداخلية وديكور المسرح والسينما والتلفزيون.  

– العمارة: يشمل التصميمات المعمارية، تخطيط المدن والإسكان، وتاريخ العمارة.  

 

على غرار الكلية الأم بالقاهرة، تأسست كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1957، وظلت تابعة لوزارة التربية والتعليم ثم التعليم العالي، قبل أن تنضم إلى جامعة حلوان عام 1975، ثم إلى جامعة الإسكندرية عام 1989/1990.  

وتضم الكلية اليوم أقسامًا متخصصة في العمارة، الديكور، الجرافيك، النحت، التصوير، إضافة إلى قسم تاريخ الفن المخصص للدراسات العليا.  

 

لم يقتصر دور الكلية على تخريج الفنانين والمعماريين، بل تولى أساتذتها مناصب قيادية بارزة في الحركة الفنية والثقافية بمصر، مثل عمادة الكليات، رئاسة جامعة حلوان، وزارة الثقافة، نقابة التشكيليين، ورئاسة قطاعات الفنون التشكيلية.  

 

كلية التربية الفنية 

 

 كلية التربية الفنية بجامعة حلوان إحدى المؤسسات الأكاديمية المتميزة في مصر، إذ تمتد جذورها إلى بدايات القرن العشرين، حين بدأ الاهتمام بإعداد معلم الفنون للمدارس. فقد تأسس قسم الرسم بمعهد التربية للبنات بالزمالك عام 1932، ثم تبعه قسم مماثل بمعهد التربية للمعلمين عام 1937، ليكون الهدف الأساسي إعداد معلم يجمع بين المهارة الفنية والكفاءة التربوية.  

 

منذ العصور الفرعونية، كان تعليم الرسم جزءًا أصيلًا من الثقافة المصرية، لكن مع منتصف القرن التاسع عشر دخل بشكل منهجي إلى المناهج الدراسية، مدعومًا ببعثات محمد علي باشا إلى أوروبا لدراسة فنون الرسم والطباعة والحفر. هذا الاهتمام أسس لمرحلة جديدة من التعليم الفني في مصر.  

 

وفي عام 1936، جاء المؤتمر الدولي للتربية في باريس ليضع مواصفات دقيقة لمعلم التربية الفنية، مؤكدًا ضرورة الجمع بين الجوانب الفنية والتربوية والثقافية. وبناءً على هذه التوصيات، أنشئ قسم للرسم بمعهد التربية العالي للمعلمين عام 1937، ليبدأ مسار جديد في إعداد المعلم المتخصص. ومع مرور السنوات، تطورت المعاهد لتصبح أكثر استقلالية، مثل المعهد العالي للتربية الفنية للمعلمين بالمنيرة عام 1951، ثم المعهد العالي للتربية الفنية للمعلمين والمعلمات بالزمالك عام 1966.  

 

شهدت المؤهلات الدراسية تطورًا ملحوظًا؛ فبعد أن كانت الدراسة تمنح دبلومًا، أصبحت تمنح ليسانس الفنون والتربية عام 1962، ثم بكالوريوس الفنون والتربية بدءًا من عام 1967. ومع إنشاء وزارة التعليم العالي، انتقلت تبعية هذه المعاهد إليها، وبدأ الاهتمام بالدراسات العليا منذ عام 1969، حيث أُتيح للطلاب الحصول على الدبلوم والماجستير والدكتوراه في مجالات التربية الفنية.  

 

وفي عام 1975، ارتقى المعهد إلى كلية جامعية تحت اسم كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، لتضم أقسامًا تخصصية في التعبير الفني، التشكيل المجسم، التصميمات الزخرفية، المجالات الفنية والتطبيقية، والثقافة الفنية والتربية الميدانية.  

 

ساهمت البعثات العلمية إلى الولايات المتحدة وإنجلترا في إثراء فلسفة التربية الفنية ومناهجها، كما أسهمت الدراسات العليا في سد العجز في هيئة التدريس، وبرزت أسماء أساتذة كبار حصلوا على أوسمة وجوائز الدولة تقديرًا لعطائهم الفني والعلمي.  

 

امتد تأثير الكلية إلى خارج مصر، حيث أسس أساتذتها أقسام التربية الفنية في دول الخليج، وأسهموا في إنشاء كليات التربية النوعية داخل مصر. كما تشارك الكلية وزارة التعليم في تطوير المناهج وإعداد الدورات التدريبية، وتؤهل الأخصائيين للعمل في مجالات الثقافة الجماهيرية، الإعلام، رعاية الأطفال، والعلاج بالفن، إضافة إلى تطوير الحرف الشعبية والمتاحف والمعارض.  

 

تضم الكلية ستة أقسام علمية: الأشغال الفنية والتراث الشعبي، علوم التربية الفنية، النقد والتذوق الفني، التعبير المجسم، التصميمات البصرية والرقمية، والرسم والتصوير. وتقدم مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، حيث تمنح دبلومات متخصصة، وماجستير، ودكتوراه في مختلف مجالات التربية الفنية. وقد حصلت الكلية على الاعتماد المؤسسي عام 2024 من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم.  

 

إلى جانب دورها الأكاديمي، تفعّل الكلية قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة، الذي يعمل على دعم التنمية المستدامة، تنظيم المعارض والندوات، تقديم الاستشارات الفنية، وتأهيل الخريجين لسوق العمل بما يتوافق مع رؤية مصر 2030.  

 

بهذا الإرث الطويل والإنجازات المتعددة، تواصل كلية التربية الفنية بجامعة حلوان دورها الريادي محليًا وإقليميًا وعالميًا، كمنارة للتعليم الفني والتربوي، ومركزًا لإعداد كوادر قادرة على خدمة المجتمع والثقافة والفنون.

 

كلية التربية الموسيقية 

 

دخلت الموسيقى لأول مرة إلى مناهج مدرسة الفنون والصنائع عام 1887، لكن المعلمين كانوا هواة بلا دراسة منهجية. عام 1935 ظهر أول قسم لتعليم الموسيقى للبنات في شبرا، ثم انتقل إلى الزمالك، وتطور ليصبح معهد التربية الموسيقية العالي للمعلمات.  

عام 1951 أُنشئ معهد للبنين بالدقي، وظل التعليم منفصلاً حتى جاء عام 1964 ليجمعهما في معهد واحد بالزمالك. وفي 1968 بدأت الدراسات العليا، فخرجت أول رسالة ماجستير عام 1971 وأول دكتوراه عام 1977.

 

عام 1975 أعلن ميلاد كلية التربية الموسيقية جامعة حلوان والتى تميزت بالجمع بين الدراسة العربية والغربية حيث تضم أقسام الموسيقى العربية والاداء للآلات المختلفة والغناء العالمى والبيانو والمصاحبة والنظريات والتأليف والعلوم الموسيقية التربوية ومع مرور السنوات أصبحت بيتا للعلم والفن يضم استوديو للتسجيلات الصوتية ومركزا لتعليم الهواة العزف على الالات. 

 

ومع مرور السنوات، أصبحت الكلية بيتاً للعلم والفن، وتضم مركز الإبداع الموسيقي، تم إنشاء كورال صوت العاصمة الذي يقدم احتفاليات في العديد من المحافل، وفي كلية التربية الموسيقية حيث يتعلم الطلاب العزف الجماعي ويقيمون حفلات موسيقية، فيكبرون وهم يحملون رسالة نشر الوعي الموسيقي وإثراء الحياة الفنية في مصر.

 

من أقسام صغيرة للتلوين والرسم والموسيقى، نمت هذه المؤسسات لتصبح كليات كبرى ضمن كليات جامعة حلوان:  

– الفنون الجميلة  

– الفنون التطبيقية  

– التربية الفنية  

– التربية الموسيقية  

 

كلية وراء أخرى، صنعت هذه الكليات تاريخاً فنياً عريقاً، وأصبحت منارات للإبداع، تجمع بين الأصالة والتجديد، وتخرّج أجيالاً من الفنانين والمعلمين والمبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية والفنية في مصر والعالم، ونقلوا التراث الفني وكانوا المنارة التي ارشدت وكانت سببًا وأساس في إنشاء كليات وأقسام الفنون في مصر والعالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *