
هنا نابل/ الجمهورية التونسية كبرنا بهدوء
بقلم المعز غني
كبرنا … دون أن ننتبه.
لم توقظنا ضجّة إحتفال ، ولم تطرق أبوابنا إنذارات التغيير.
كبرنا كما تكبر الأشجار في الغابات البعيدة بصمتٍ دون أن يشعر بها أحد.
كبرنا حين توقّفنا عن الركض خلف المواعيد ، حين صرنا نحب الصباحات الهادئة أكثر من الليالي الصاخبة ، وحين بتنا نُحسن الإصغاء أكثر مما نحب الحديث.
كبرنا عندما صار الحنين جزءاً منّا ، لا نعرف إلى ماذا تماماً لكنه حاضرٌ دائماً يسكن النظرات ، ويرافق الخطى.
كبرنا وصرنا نشتاق لأصواتٍ مضت ، ولضحكاتٍ لم نعد نسمعها ، ولوجوهٍ غابت عن تفاصيل أيامنا لكنها ما زالت تنام في الذاكرة.
كبرنا حين أدركنا أن القوة ليست في رفع الصوت ، بل في الصمت الذي يُخبّئ وراءه ألف وجع.
كبرنا حين بتنا نُجيد الصبر ، لا لأننا أقوياء ، بل لأننا تعبنا من التوقّع ومن الإنتظار .
كبرنا حين تغيّرت أولوياتنا ، فصرنا نبحث عن السلام لا الإنتصار عن الدفء ، لا اللهب عن القرب الحقيقي لا الزحام العابر.
كبرنا وصرنا نعرف أن البدايات الجميلة لا تضمن نهايات سعيدة ، وأن كل لحظة نعيشها قد تكون الأخيرة مع من نحب.
لذا صرنا نُقدّر التفاصيل نُمسك بالأوقات بأطراف أصابعنا،، ونُخبّئ الذكريات في زوايا القلب.
كبرنا بهدوء…
لكن في داخلنا ، ضجيج أعوامٍ من الحنين ، وخيباتٍ مؤجلة ، وأحلامٍ إنتظرناها طويلاً ، ثم مررنا بجانبها كأننا لا نعرفها.
كبرنا ولا بأس … فالهدوء ، بعد كل شيء ليس ضعفاً … إنه حكمة الذين عرفوا الحياة جيداً .
كبرنا بهدوء …
كبرنا لدرجة إننا لم نعد نبحث عن أصدقاء جدد أو حتى عن أشخاص يحبوننا … بل أصبحنا نبحث عن أنفسنا …
كبرنا وأصبحنا نبحث عن الأماكن الهادئة
والقهوة وصوت الطبيعة والمناظر الخلابة أكثر من التجمعات والمدن …
كبرنا لدرجة إننا أصبحنا نخاف على أهلنا بدلا من الخوف منهم … وقفنا عن محادثة أحد حتى ونحن على صواب … أصبحنا نترك الأيام تثبت صحة وجهة نظرنا …
كبرنا لدرجة إنه ما عدنا نتحدث مع أحد عما يحدث بيننا وعما يؤلف بيننا وصرنا نداوي جراحنا بأنفسنا …
كبرنا وصرنا نفرح بصمت ونبكي بصمت
ونضحك بابتسامة عابرة ولم نعد نتأثر بمعسول الكلام ، أصبحنا نريد أفعالا من القلب ، لم نعد نستهزىء بأفعال الغير بل صرنا نقول : الله يعين الناس ….!؟ .
هنا نابل/ الجمهورية التونسية كبرنا بهدوء
كبرنا وعرفنا أن المظاهر خادعة وتعلمنا إنه ليس كل ما يلمع ذهب ، بل حبل الكذب قصير .
تعلمنا أن لا ننتظر أي شيء من أحد وأن لا نثق في أحد … بل تعلمنا كيف نكتفي بأنفسنا.
كبرنا نعم كبرنا وبهدوء
اللهم نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة
وحسن خاتمتنا ومغادرة هذه الحياة الفانية في هدوء وسكينة .