وجعلنا بعضكم لبعض فتنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 27 ديسمبر
إن الحمد لله الذي جعل الحمد لله أول آية في كتاب الله تعالي فكما هو معلوم لدى كل مسلم ومسلمة أن أول سورة في القرآن الكريم هي سورة الفاتحة وهي تبدأ بكلمة ” الحمد لله ” وقد ورد ذكر كلمة ” الحمد لله ” في القرآن العظيم ثلاثا وعشرين مرة، والحمد لله هو أول ما يبدأ به المرء يومه، ونصلي ونسلم ونبارك علي سيدنا محمد، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد روى الشيخان عن كعب رضي الله عنه.
أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى يا كعب، قال لبيك يا رسول الله، قال “ضع من دينك هذا، فأومأ أي أشار، إليه أي الشطر أي النصف قال لقد فعلت يا رسول الله، قال ” قم فاقضه” ومعني قوله تقاضى دينا كان له عليه، أي طلب كعب قضاء الدين الذي كان له على ابن أبي حدرد، ومعني قوله “سجف حجرته” أي سترتها، ومعني قوله “لقد فعلت” أي امتثلت أمرك يا رسول الله، ومعني قوله ” قم فاقضه” أي أعطه النصف الثاني من الدين، وقال الطيبي رحمه الله في الحديث جواز المطالبة بالدين في المسجد.
والشفاعة إلى صاحب الحق، والإصلاح بين الخصوم، وحسن التوسط بينهم، وقبول الشفاعة في غير معصية، وجواز الاعتماد على الإشارة، وإقامتها مقام القول، وروى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال “اذهبوا بنا نُصلح بينهم” ومعني قوله “اقتتلوا” أي وقعت بينهم خصومة شديدة أدت إلى الاشتباك بالأيدي والضرب بالحجارة، حتى وصلت أخبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقال الإمام أحمد بن محمد القسطلاني رحمه الله في الحديث دليل على خروج الإمام في أصحابه للإصلاح بين الناس عند شدة تنازعهم” واعلموا يرحمكم الله إن الفتنة والابتلاء من حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه فكما أنه يبلوهم بالمصائب.
ويبلوهم بالنعمة فيبلوهم بالحسنات والسيئات، ويبلوهم بشرعه وقدره، فكذلك يبلوا بعضهم ببعض، وهذا فى قوله تعالى “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة” وهذا عام في جميع الخلق، فقد امتحن بعضهم ببعض، فامتحن الرسل بالمرسل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمل المشاق في سبيل إبلاغ الرسالة، وامتحن المرسل إليهم بالرسل، هل يطيعونهم؟ وهل ينصرونهم ويصدقونهم؟ أما يكفرون بهم، ويردون عليهم، ويقاتلونهم؟ وامتحن العلماء بالجهال، هل يعلمونهم، وينصحونهم، ويصبرون على تعليمهم، ونصحهم، وإرشادهم؟ وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟ أم أنهم يعرضون عن أقوالهم، ويرجمونهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء.
وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالاتباع، والاتباع بالسادة، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، وامتحن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بالذين يأمرونهم. وجعلنا بعضكم لبعض فتنة