الدكروي يكتب عن يوم تشح النفوس بالحسنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين القوي العزيز، الفعال لما يريد، ذي الأمر الرشيد، والبطش الشديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار، فإن الآخرة هي دار الجزاء وتوفية الحقوق وإسترداد المظالم، وهي مرصد المفاليس حين يقدمون بجلل من الصالحات من صلاة، وصيام، وزكاة، وغيرها مما هو دونها في الفضل، في يوم تشح النفوس بالحسنة.
وإن كانت أما، فيرون ثواب تلك القربات ترحل من سجل حسناتهم إلى صحف من ظلموهم وبخسوهم حقهم، فيذكر النصب الذي بذله والوقت الذي كابده والمال الذي أنفقه ومفارقته اللذائذ لأجل عمل تلك الصالحات، وبات ينتظر ثوابها في يوم تعز فيه الحسنة، ويراها بحسرة المرائر قد ذهبت لغيره بسبب ظلمه له، وتزداد تلك الحسرة إن فنيت حسناته، فتنقل سيئات المظلوم إلى صحيفته مع عدم مباشرته لها فيحاسب عليها كما لو كان عاملاً لها، وتزداد تلك الحسرة حسرات حين تفنى الحسنات وتبقى السيئات فيؤمر به إلى النار، فإن الاغترار بالقوة والقدرة، والأمن من المحاسبة الدنيوية هي من أسباب الاستخفاف بالحقوق، فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله ” أمّا بعد.
فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام ” وفي يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها، وللمخالط والصاحب بالغ الأثر في حفظ حقوق الخلق واستلابها، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه ويبين لهم الحقائق، ويصحح لهم المفاهيم، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم، وكثيرا ما كان يجلي لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة، وبين موازين الله وموازين العباد، فالحمد لله رب العالمين القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، المطلع على ضمائر القلوب إذ هجست.
والحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض تحركت أو سكنت، المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت، المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت، المتطوّل بالعفو عن معاصيهم وإن كثرت، وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت، وتنظر فيما قدمت وأخرت، وتعلم أنه لولا لزومها للإخلاص والصدق والمحاسبة في الدنيا شقيت في صعيد القيامة وهلكت، وبعد الإخلاص والصدق والمحاسبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت.