أحمد عايل فقيهي:
“لم يبق شيء يستحق الانتظار” … لذا رحل !
بقلم ..احمد عزير
:الرياض :
قبل عامين أصدر كتابه:
”بكائية على صدر الزمان”،
واليوم أصدر الزمانُ بكاءَه عليه.
رحل وكأن لديه عتب على كل من حوله ومحيطه حيث كان قد قال:
لم يبق شيء يستحق الانتظار..
لا الفجر الموشى بالأمل ولا النهار
كل شيء استحال إلى جدار
ها أنا أبحث في كل البحار عن محار
أبحث عن يقين
أبحث عن حنين
أبحث عن حرف جديد “
عاش الراحل يبحث عن نجمة بعيدة،
عن لحظة جديدة، ولهذا قدم لنا “سماء بعيدة وضوء شحيح ” ، كأنه يرى وميضاً من نور وبصيصَ أمل في كل ذلك الظلام الكالح حتى وإن شكا من “سواد مدجج بالتأويل”.
عاش بين “جدة وجازان ” فألف كتابه “بين جيمين” قدمه له زميله الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير عكاظ وعضو مجلس الشورى الأسبق .
عاش مسكونًا بروح القرى ويبدو جلياً تلك العلاقة في ديوانه “صباح القرى” حيث يقول رحمه الله:
“صباح القرى ياصبايا الحي
صباحًا توضأ بالصحو
صَبَّ على القلب إشراقة ومطر
صباحاً له نكهة العشب
تسربل بالغيم
وضوع في الرمل
إضمامة وحجر “.
وُلد أحمد عائل فقيهي في مدينة ” جازان”
عام 1952، وكانت أولى قصائده بعنوان «الفجر الأخضر» نهاية السبعينات، وهو من أوائل الذين اشتغلوا على القصيدة الحديثة في السعودية، نشر محلياً وعربياً، وشارك في كثير من المهرجانات الشعرية والثقافية والعربية أهمها مهرجان المربد، ومهرجان جرش، ومهرجان بابل الثقافي في بغداد، ومهرجان الجنادرية، وتم تكريمه في كثير من المؤسسات الثقافية.
واشتغل في الصحافة، وشغل منصب مدير التحرير في جريدة «عكاظ» لسنوات عدة، كان خلالها يكتب مقالاً في زاويته «رفيف الكلام»، إلى جانب مشاركاته العديدة في الأمسيات الشعرية من خلال اللقاءات العربية والمحلية.
له عدة مؤلفات أهمها “بكائية على صدر الزمن”،
“عشر مرايا لوجه واحد”،
و “الوقوف على حافة الوقت”
رحل بصمت كالكلمات الهادئة التي تخرج من فم العاشق الجريح.
قضى حياته مسافرًا في حقول الضوء وآتيًا على كتف الرياح مضمخًا بالجراح ولا جراح!
وكان في حياته يتفحص المرايا ليتعرف على وجهه الحقيقي الذي ضاع بين لابسي الأقنعة، حيث دافع عن قضيته بصمت، لكنه كان من المدافعين عن التحديث والحداثة في الشعر حينما كنا نميل مع الضفة الأخرى الأكثر ضجيجاً وصياحًا، ولولا أن طمأننا الزميل “علي مكي” بعد أن دلف إلى ناديهم واخبرنا بأنهم يصلون ويستغفرون ويذكرون الله كثيراً.
لم يقلق الراحل تراجع الشعر لكنه عاش قلقًا من تراجع القيمة وهي الانحياز إلى الإنسان، بوصف هذا الإنسان قيمةً. ولا تأتي أهمية الحياة إلا عبر الشعور بأهمية الإنسان نفسه، وإذا تراجعت قيمة وأهمية الإنسان تراجع كل شيء».
لقد غادرنا وهو يبحث في أحشاء اللغة عن كلمات الحب ومفردات العشق والصدق والجمال .
رحل الأستاذ المثقف أحمد عائل فقيهي ، ومازال في قلبه وقلمه الكثير للوطن..
رحل وهو ما يزال واقفًا (على حافة الوقت) ينتظر إطلالة هذا الوقت ليمسك بالقلم والورقة ويعود للوطن والرمل والقرى .
رحمك الله أيها الفقيد الحبيب.. ستبقى جازان تبادلك الحب وأنت من أعلنت عشقك الأبدي لها دون خجل، حين غنّيت:
جازانُ.. تنهضُ حين تلمع أنجمُ
وأموتُ من ولعٍ.. أفِق يا مُغرم!
كلّ الجهات تفر صَوب جهاتها
للضوء مئذنة.. وللذكرى فَمُ!
جازانُ إنْ لم تسطعي في خاطري..
لا أنتِ مني .. ولا الدماء هي الدمُ ..
هل أسترُ الخجل الذي يجتاحني؟
لا يخجل العشَّاقُ إن همُ أُغْرِموا.
أحمد عايل فقيهي:
“لم يبق شيء يستحق الانتظار” … لذا رحل !