الرئيسيةمقالاتأفكار بصوت مرتفع
مقالات

أفكار بصوت مرتفع

أفكار بصوت مرتفع 

زينب كاظم 

فوبيا مجيء الضيوف 

سنتحدث في هذا المقال عن المخاوف الشديدة التي تصيب الكثير من الناس عند مجيء الضيوف أو عند أخبارهم أنه سيأتي ضيوف إلى البيت رغم أنهم أناس اجتماعيين وودودين ومحبين للناس وليسوا ببخلاء بطبيعتهم ورغم أنه مجتمعاتنا لا تخلو من الناس البخلاء والكارهين للبشر الا أنه حديثنا هنا ليس بصدد هؤلاء أنما نتحدث عن العاديين الذين يخافون من حضور الضيوف والأسباب كثيرة جدا أولا الطاقة الاجتماعية فبعض الأشخاص يحبون الناس لكنهم يتعبون من الإختلاط الطويل إذ أن إستقبال الضيوف يحتاج جهد جسدي ونفسي، خصوصًا مع التحضير والاهتمام بالتفاصيل.

و القلق من التقييم فقد يخشى الشخص أن يُنتقد بيته أو ضيافته أو أسلوبه، فيتوتر قبل استقبال الضيوف ويفضّل تجنّب الموقف.

وهناك نقطة هامة أخرى يجب أن نسلط الضوء عليها وهي التجارب السابقة فإذا مرّ الإنسان سابقًا بضيوف أثقلوا عليه أو لم يحترموا الخصوصية فقد يكوّن صورة سلبية عن إستقبال الضيوف بشكل عام كذلك حب النظام والخصوصية فبعض الأشخاص يقدسون راحتهم وخصوصيتهم، ويرون أن الضيوف يكسرون روتينهم ويغيرون جو البيت ،و المسؤولية الزائدة فالكريم عادةً يحاول أن يكرم ضيفه بأحسن صورة وهذا يضع ضغطًا نفسيًا عليه: “هل سأقدّم ما يليق بهم؟” مما يجعله يتجنب إستقبال الضيوف من الأصل ويجب ألا ننسى الإرهاق أو الحالة المزاجية

إذا كان يعاني من تعب، اكتئاب، أو ضغوط، فاستقبال الضيوف يصبح عبئًا بدل أن يكون متعة.

 إذن الكرم شيء داخلي في القلب والسلوك، لكن كره إستقبال الضيوف قد يرتبط بالتعب، القلق، أو حب الخصوصية، وليس بالبخل أو قلة المحبة.

وقد قرأنا وتابعنا العديد من الأبحاث في هذا الخصوص وللكثير من علماء النفس الذين درسوا تفسيرات لهذه الحالة لكن أقرب تفسير للواقع النفسي للكثير من البشر وأسباب اختناقهم من استقبال الضيوف هو تفسير كارل يونغ فإذا كان الإنسان يحب منزله الهادئ وروتينه غير المزعج وطاقته المحفوظة إذن هذه الأمور مألوفة على هذا النوع من البشر ،لكن الاختناق الذي يصيب الناس من مجئ الضيوف أمر بالكاد يعترف فيه أحد علنا ،فالانزعاج الحميمي الحقيقي وغالبا ما يساء فهمه لأولئك الذين لا يستطيعون دخول أحد إلى مساحتهم الشخصية فهم ليسوا فظين ولا منعزلين اجتماعيا ،فوفقا لكلام يونغ 

صاحب علم النفس التحليلي قد يشير هذا السلوك إلى شيء أعمق بكثير في طبيعة الإنسان وهناك عدة استبصارات لهذا العالم تشرح لماذا لا يحب بعض الناس استقبال الضيوف ولماذا هذا ليس طبيعيا فحسب بل ممكن أن يكون هذا علامة على عملية نفسية داخلية قيمة ،أن الكثير من الناس يشعرون بالذنب عندما يرغبون أن يكونوا وحيدين لكن كارل يشرح لنا أسباب ذلك بوضوح وعمق إذ أن ذلك يدل على أنه أقرب لتطور الإنسان النفسي إلى عيب في الشخصية .

فإذا شعر الإنسان بعدم الارتياح عن ظهور أحد فجأة عند باب البيت دون سابق إنذار وهل يتساءل لماذا يشعر الناس بالبهجة عند التجمعات الإجتماعية والحفلات وزيارات المنازل بينما هو على الجانب الآخر يشعر بالإرهاق لمجرد التفكير باستقبال الضيوف أو ربما يستمتع بالحديث أو لديه علاقات جيدة لكن عند دخول أحد لمنزله ينكمش شيء في داخله كأن حضور شخص آخر يستنزف طاقته، وهناك تفسير لكل ذلك بكل تأكيد أن كارل يونغ هو أحد أعظم علماء النفس في القرن العشرين وهو أول من نشر مصطلحين معروفين الآن على نطاق واسع وهما الانطوائي والمنفتح علما أن ذلك ليس حديثا عن الخجل أو الإجتماعية فلم يتحدث العالم يونغ عن السلوك الإجتماعي بل عن حركة الطاقة النفسية فالمنفتح يوجه طاقته للخارج يتغذى من الإتصال والمحفزات الخارجية فالعالم الخارجي يمنحه القوة والانطوائي على الجانب الآخر يعمل بطريقة معاكسة تقريبا فإنه يشحن طاقته من الداخل ومصدر طاقته هو الصمت والتأمل الذاتي والعزلة وعندما يتعرض بشكل مفرط للعالم الخارجي والمحادثات الطويلة والزائرين غير المتوقعين والضوضاء أو المقاطعات يبدأ عقله بالاغلاق ليس السبب هو التكبر بل بسبب ضرورة نفسية وهذه هي النقطة المحورية وعدم الرغبة باستقبال الضيوف ليس نقصا اجتماعيا بل إنه تعبير مباشر عن كيفية هيكلة طاقة الإنسان فإذا كان انطوائيا فإن منزله ليس مجرد مكانا ماديا بل هو مساحة مقدسة وشرنقة ومكان يعاد فيه تنظيم الطاقة حيث يجد نفسه يوازنها وعندما يدخل أحد إلى تلك المساحة حتى ولو كان بحسن نية فإنه يلامس خيوطا غير مرئية كان ذلك الإنسان يفرزها طوال اليوم فبمجرد حضور الشخص الآخر يجبر ذلك الإنسان على تفعيل القناع (القناع الإجتماعي)وبالفعل هو كذلك لأن الإنسان يبتعد عن نفسه الحقيقية وهذا الأمر مرهق جدا وبعمق فالانطوائية ليست خيارا واعيا بل هي نزعة من الروح لذا مهما حاولنا مقاومة هذا الدافع الداخلي فإنه يؤدي فقط إلى مزيد من الصراع والإرهاق فيحكم المقابل علينا بأننا متحفظون للغاية وإننا لا نحب الصحبة لكن ما لا يراه الكثيرون هو هذا فما قد يبدو برودا أو عدم إهتمام هو غالبا مجرد حماية للذات أي درع نفسي وحدود غير مرئية أقامها اللاوعي لحراسة الذات الداخلية وأطلق يونغ على هذه العملية اسم الظل والظل هو جزء من الإنسان قد لا يعرفه بالكامل لكنه موجود وهادئ وخفي ويحكم مشاعر الإنسان وردود أفعاله وانزعاجه العميق ،فعند دخول الضيف إلى بيتنا نحن لا نفتح بابا ماديا فحسب بل أننا ندعوه بلا وعي إلى مساحة حيث تكون طاقتنا في أنقى حالاتها ولكن في أكثر حالاتها ضعفا وهنا يبدأ الظل بالتصرف والظل يحتوي على كل ما كبته الإنسان لسبب أو لآخر مثلا جوانب من شخصيته أضطر لإخفاءها ومخاوف قديمة وذكريات غير محلولة أو جروح لم تنطق ،فلتيخيل ذلك الإنسان أنه دق الجرس فجلس مع الضيف وبدأ الإثنان يتبادلان الحديث وبدلا من أن يرتاح الإنسان يبدأ بشعور الضيق في الداخل أو الشعور بالانزعاج بشكل غريب ولا يمكن اصلا تفسير السبب وفي الحقيقة أن حضور ذلك الضيف وصوته وطريقته في الوجود قد يلامس دون وعي نقطة عمياء في نفس الانسان شيء لم يجرأ بعد إلى النظر إليه شيء يعيش في الظل لذا قال ذلك العالم (ما لا تجرأ أن تجلبه إلى وعيك سيظهر في حياتك كقدر وأحيانا يظهر ذلك القدر كانزعاج إجتماعي فزيارة غير ضارة تثير تهيجا أو شعورا بالاقتحام أو رغبة جسدية تقريبا في أن تطلب من الضيف المغادرة وهذا ليس تكبرا إطلاقا بل إنه لا وعي الإنسان يحاول حماية نزاهة الإنسان الداخلية وهناك المزيد فالظل لا يحتوي فقط على الظلام إنه يحمل كذلك إمكانات كامنة وقدرات ومواهب وحقائق لم تتجرأ بعد على احتضانها كلما عاش على السطح وتكيف وكان مهذبا وأجبر نفسه على التفاعلات الإجتماعية قلت المساحة المتاحة لنفسه ليتنفس لذلك إذا شعر الإنسان بالحاجة إلى أن يكون وحيدا وإذا كانت فكرة الضيوف تطغى عليه فقد يقول ظله مهلا استمع انت بحاجة إلى الصمت والى مساحة والى نفسك ومجرد سماع ذلك هو فعلا شجاعة ،فالانسان يشعر بالراحة عندما يعود أخيرا إلى المنزل بعد يوم طويل ويغلق الباب ويخلع حذاؤه ويأخذ نفسا عميقا ويكون بكل بساطة نفسه ،في علم النفس المنزل ليس مجرد مكانا ماديا للإنسان بل إنه رمزا للنفس وأنه يعكس حالته الداخلية فعندما يدخل أحد إلى تلك المساحة فهو لا يدخل غرفة المعيشة فحسب بل يدخل أرض مقدسة ،أن الرموز تتحدث عنا أكثر مما تفعله الكلمات أبدا والمنزل هو أحد أقوى رموز النفس ويمثل الذات ومركز كياننا حيث يجد كل شيء توازنه وحيث يكون الشفاء فكل غرفة ترمز إلى جانب من شخصيتنا فغرفة النوم حميميتنا وغرفة المعيشة قناعنا والمطبخ تغذيتنا العاطفية و السطح أفكارنا العليا والباب الأمامي الحد الفاصل بيننا وبين الآخرين وعندما يعبر أحدهم تلك العتبة نشعر في اللاوعي بأن شيئا من الخارج يدخل وأنه ليس مجرد حضور مادي بل إنها طاقة غريبة مليئة بالأفكار والقصص والتوترات وإذا كان الإنسان شخصا انطوائيا حساسا أو كان في طريقه للتفرد اي عملية أن تصبح نفسه الحقيقية يمكن أن يكون هذا مرهقا للغاية ،فالمنزل ليس مجرد جدار للدفاع ضد العالم بل هو مرآة داخلية ،فاذا شعر الإنسان بالسلام في منزله فهذا يعني أن شيئا ما في داخله في حالة نظام وإذا شعر ان الزيارات تزعج هدوءه وتغير الجو وتدمر الصمت فربما يكون اللاوعي عند الإنسان يهمس له أن النفس لا زالت في قيد البناء وأن الإنسان ليس مستعدا لفتح جميع الأبواب وهذا جيد تماما فحماية منزلنا تعني حماية أنفسنا كذلك ففي علم النفس التحليلي العميق أن احترام حدودنا هو خطوة مركزية نحو الشفاء والتكامل لذلك إذا شعر الإنسان يوما بالذنب لعدم الرغبة باستقبال أحد لأننا نفضل الوحدة فعلينا أن نعلم الآن أنه لا نريد عزل أنفسنا بل إنه نكرم المعبد الذي تقيم فيه روحنا ،لأن ارتدى الإنسان ابتسامة مهذبة بينما هو بداخله كان يرغب فقط بالصمت أو حضر القهوة وانصرف بحديث بينما هو بداخله كان يفكر متى ستنتهي تلك الزيارة كل تلك هي قسوة بحق نفسية الإنسان ،لكن في الوقت ذاته يظل الإنسان يجلد ذاته لأنه قاسي القلب وناكر للجميل لكن في هذا المقال سيفهم الانسان ما يحدث بداخله وحوله بكل عمق وصدق ،ان الإنسان يرتدي قناعا اجتماعيا وهذا القناع ليس كاذبا لكنه جزء من شخصية الإنسان ليمارس حياته مع المجتمع بكل مقبولية وليس كل شخصيته وأنه في بيته يخلع ذلك القناع ليظهر بشخصيته الحقيقية بكل أريحية وبلا قيود مجتمعية ومجاملات زائفة وعندما يأتي الناس لرؤية حقيقته يتألم لأن تلك هي خصوصيته وحدوده ،فلكل انسان حدود تشبه حدود الخارطات والأوطان لا يقبل لأي أحد تجاوزها وعندما يريد أحد غريب اقتحام حدوده يثور ثورة داخلية إذا نحن فهمنا ما يحدث نفسيا للكثير من الناس عند زيارة الضيوف وهذا المقال شرحنا فيه ما يفسره علم النفس وهو بعيد عن الدين وواجبات إكرام الضيف وغيرها كملاحظة للقارئ الكريم فقط .

لكن هناك حلول نفسية بسيطة ممكن للإنسان ممارستها لكي يحاول تقبل دخول الناس لمملكته وهي فهم سبب الفوبيا . فهم السبب الخوف نابع من أي جانب؟ (الخوف من النقد، من الفوضى بالبيت، من فقدان السيطرة، من الالتزامات الاجتماعية).

معرفة السبب يسهّل العلاج.. التدرّب على المواقف الصغيرة

لنبدأ بدعوة شخص مقرّب واحد (أخت، صديقة، جارة) لوقت قصير،ومع الوقت يزيد العدد أو المدة تدريجياً. هذا يسمّى “التعرّض التدريجي” ويفيد كثير ،كذلك تغيير الأفكار السلبية

لنذكر أنفسنا أن الضيوف يأتون للمحبة أو الواجب، وليس للتفتيش أو الحكم عليك ولنزيل فكرة أنهم يأتون للتركيز على العيوب و استبدالها بفكرة “أنهم يأتون يزوروننا لأنهم يقدّروننا كذلك التحضير المسبق يقلّل القلق لنرتب البيت بشكل مبسّط قبل يوم أو يومين ونجهز ضيافة بسيطة هذا يعطينا إحساسا بالتحكم ،يجب علينا كذلك ممارسةتمارين الاسترخاء مثلا التنفّس العميق أو الإستماع للموسيقى الهادئة قبل مجيء الضيوف.

وكذلك لنمارس تمارين الاسترخاء بالخيال لنتخيل الموقف يمر بسلاسة وراحة و لنتقبّل عدم الكمال فالضيافة ليست اختبار فلا أحد يتذكر أن الأقداح ليست متشابهة أو إذا كان هناك غبار في زاوية الغرفة ،الناس يقدّرون الابتسامة والدفء أكثر من المظاهر.

وأخيرا ممكن طلب الدعم مثلا نطلب من أولادنا أو أحد المقربين في مساعدتنا لأستقبال الضيوف وليتذكر الجميع كيف كان الناس في السابق يفرحون بمجيء الضيف لأن الكل كان يتعامل ببساطة أما الآن فالكلفة أزالت الألفة والكلفة ليست المادية فحسب بل حتى بالمظهر والأثاث ونمط المعيشة صار استقبال الضيوف عبئا لأن البساطة باتت شبه منعدمة والخوف من النقد صار حاضرا على الألسن ..

نتمنى للجميع حياة هانئة وعلاقات اجتماعية متماسكة بعيدة عن التصدع والخلافات والخوف من النفاق النقد …

أفكار بصوت مرتفع 

زينب كاظم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *