الرئيسيةاخبار” أنا والتنويم المغناطيسي “
اخبار

” أنا والتنويم المغناطيسي “

" أنا والتنويم المغناطيسي "

” أنا والتنويم المغناطيسي “

طارق غريب

يُسمع همسٌ كأن الريح تمرّ فوق عقلٍ نائم.

 ضوء خافت يتحرك على الأرض مثل نَفَسٍ.

 قبل أن تنفتح الستارة ،

تذكّر أنك لست متفرّجًا ، 

 بل مُنَوَّمًا مثله.

هنا لن ترى حكاية ، بل ستسمع ظلك يتكلم.

كل ضوءٍ سيتسع هو فكرة ،

وكل ظلامٍ يضيق هو خضوع.

طارق ليس ممثلًا على الخشبة ،

بل صورةٌ منك في مرآةٍ بلا زجاج.

والمنوِّم ، ليس شخصًا.

إنه كل ما أقنعك يومًا أن تتوقف عن السؤال. 

ستشعر بالنوم يقترب منك ،

لا تقاوم ، ولا تستسلم 

فقط استمع.

فربما في نهاية المسرحية

تكتشف أنك كنت أنت ، موضوع التجربة.

(صمت. 

نبضة واحدة. 

 طارق يجلس في المنتصف ، عارٍ من الزمن ، 

يحدّق في نقطةٍ لا تُرى. 

المنوِّم يقف بعيدًا ، صوته يأتي من الفراغ.)

المنوِّم:

هل تسمعني يا طارق؟

طارق بصوتٍ هادئ :

أسمعك ، لكن لا أدري من أين يأتي صوتك.

المنوِّم:

من داخلك. 

من الجزء الذي يخاف أن يستيقظ.

أريدك أن تسترخي ، أن تتخلّى عن مقاومة الوعي.

طارق:

وهل الوعي مقاومة؟

المنوِّم:

حين تظن أنك تفهم ، تبدأ المقاومة.

أغمض عينيك ، وانسَ من تكون.

طارق:

وإذا نسيت من أكون ، من سيجيبك إذن؟

(صمت. 

إضاءة تهتز مثل أنفاسٍ بطيئة.

 يبدأ صوت نبضٍ عميق كأنه من باطن الأرض.)

(طارق في حالة نصف وعي. 

يمد يده في الفراغ كأنه يتحسس جدارًا لا يُرى.)

طارق:

ما هذا المكان؟

لا جدران ، لا سقف ، لا زمن.

هل أنا في حلمٍ أم في قاعة انتظارٍ للروح؟

 المنوِّم من العدم :

أنت في ما قبل الحلم

في المسافة بين الإدراك واللا إدراك.

(صوت خافت يشبه نَفَسَ الكون في لحظة الخلق ،

 صدى نبض بطيء ، كأنه في قلب الذاكرة)

 صوت من اللاوعي :

هل سقطتَ أم نِمت؟

صوت ثانٍ من داخل الرأس :

لا أدري

كلما أغمضتُ عينيّ ، سمعتُ عقلي يتنفس بصوتٍ آخر.

صوت ثالث عميق ، من بعيد :

ليس النومُ ضد الوعي ، بل بوابته.

صوت طارق هامس :

أموت قليلاً كلما أغمضتُ جفني،

وأحيا حين يوقظني الألم.

صوت المنوِّم هادئ كالماء :

إذن، اقترب دعنا نرى أيُّهما أقوى :

النوم أم الفكر.

أجبني :

متى آخر مرة بكيت دون سبب؟

طارق:

حين أحسست أني أصبحت نسخة مني.

أكرر وجهي كل صباحٍ كصلاةٍ بلا معنى.

المنوِّم:

جيد ، اقتربنا.

كل نسخةٍ تقترب من الحقيقة تذوب.

اسمح لي أن أزيل ما تبقى منك.

طارق يبتسم ببطء :

تستطيع أن تزيل الأوهام ، لا الذاكرة.

أنا لست ضوءًا ولا ظلًا

أنا من يقرر إن كنت نائمًا أم مستيقظًا. 

(الضوء يضطرب. نغمة توترٍ صاعدة.

 تبدأ الدائرة في التقلص حول طارق.)

(المنوِّم يقترب ، يظهر كشبحٍ بلا ملامح.)

المنوِّم :

أنت تقاومني يا طارق.

أنت تعاند نفسك.

أتعرف ما هي أكبر خدعةٍ للعقل؟

أنه يظن أن له إرادة.

طارق :

وأنت أكبر كذبٍ للطمأنينة.

تمنح الناس نومًا مريحًا ليغفلوا عن وجعهم.

تُغلق أعينهم باسم الهدوء ،

لكنّك في الحقيقة تُسكت صراخهم.

المنوِّم بصوتٍ صارم :

كفى.

أنت لست هنا لتتكلم ، بل لتخضع.

طارق :

أنا هنا لأستيقظ.

منك ومني.

(الضوء ينفجر فجأة. يختفي صوت المنوِّم. 

يسمع طارق صدى صوته يتكرر آلاف المرات : 

“منك ، ومني ، ومني “)

(طارق وحيد.  

كل الأصوات تأتي من داخله. 

كل ضوءٍ يتحول إلى شكلٍ من ذاكرته :

 أمه، طفولته، حبه، خوفه.

طارق:

كلما صحوتُ ، وجدتُ نفسي في حلمٍ آخر.

الحرية متعبة ، يا سيّدي المنوِّم.

المنوِّم :

دعني أريحك من وعيِك.

النوم هو شكلٌ آخر من الصدق.

طارق :

الصدق؟ أم الغيبوبة التي تشبه الغفران؟

المنوِّم :

كلّ من عرف أكثر ، نام أكثر.

الفكر سُمّ ، والحلم هو الترياق.

(يقترب ، يضع يده على كتف طارق)

طارق بهمس :

كم هو ناعم هذا الظلام !

يشبه رحمًا أشتاق العودة إليه.

المنوِّم :

إذن عد ، أغمض عينيك ، وسأحرسك من الأسئلة.

طارق :

ومن سيوقظني إن نسيتُ من أنا؟

المنوِّم يبتسم :

لن تحتاج إلى اسمك بعد الآن.

ستذوب في سكونٍ لا ينتهي ،

حيث لا خوف ، ولا معنى.

(يطبع يده على جبهة طارق.

 يهمس بكلمات خلف أذنيه 

الضوء يذوب في بطءٍ هائل ، كغروبٍ بلا فجر.)

طارق بصوت متقطع :

هل هذا هو الخلاص ، أم الفناء؟

المنوِّم :

كلاهما وجهان لذات النوم.

(يسقط طارق. صمت كامل.

الساعة تستمر بالدقّ ،

 لكن صوتها يبدو كنبض الكون نفسه.) 

من بعيد ، 

يُسمع صدى صوته كأنّه يأتي من عمقٍ لا نهائي :

 “أنا نائم ، فهل العالم يحلم بي؟”

طارق يهمس :

يا الله ، كم مرة نمتُ بإرادتي فاستيقظت عبداً؟

كم مرة صدقت أن السلام هو الصمت؟

أريد أن أصرخ ،

أن أوقظ حتى الريح من سباتها.

(صوت المنوِّم يعود هامسًا)

لم يعد يهمّ يا طارق.

النوم أرحم من الوعي.

العالم لا يحتمل المستيقظين.

طارق ينهض ببطء :

بل الوعي هو الثورة الأخيرة.

إن لم أستيقظ أنا ، من سيحلم بالحرية؟

(يرفع رأسه ، الدائرة تنكسر. 

الضوء ينتشر حتى الحواف.)

 الانعتاق

(الفضاء يغمره النور . الموسيقى تتعالى ثم تهدأ.)

طارق :

ها أنا أراك يا منوِّمي

لم تكن أنت إلا صوت خوفي.

كنتُ أنا من نَوَّمتُ نفسي،

لأهرب من الحقيقة التي أرهبتني.

المنوِّم بصوتٍ يذوب :

إذن استيقظ إن استطعت.

طارق :

أنا لم أنم أصلاً ،

كنت فقط أحلم أنني نائم.

(بعد إسدال الستارة ، 

يسمع الجمهور صوتًا هادئًا قادمًا من بعيد ،

 يشبه نبض الكون.)

الوعي الأخير في عقل الجمهور :

أيها الجالس في مقعدك ،

لا تظن أنك نجوت من التنويم.

ربما ما زلتَ تحلم أن العرض انتهى.

التنويم ليس جلسة ، بل نظام حياة.

كل ما يطلبه منك ، أن تصدّق ما يُقال دون أن تسأل.

فإذا خرجت من هنا وعينك تتساءل ،

فقد فشلت التجربة ، ونجوت أنت. 

 هل استيقظتم؟

لا تجيبوا.

فربما ما زلتم هناك ، داخل تلك الدائرة،

تتأرجح الساعة في عيونكم ،

وطارق فيكم جميعًا ما زال يفاوض نومه.

حين تخرجون من القاعة ،

تذكروا أنكم لم تشاهدوا مسرحية ،

بل حلمًا يحاول أن يصحو.

(صمت. ثم تختفي النبضة ،

 وتغرق القاعة في ظلامٍ صافٍ ، 

كأن الوعي قد بدأ للتو !).

يا إدريس : جهز جلسة الكهربا

تمت 

طارق غري

” أنا والتنويم المغناطيسي “

" أنا والتنويم المغناطيسي "

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *