” أنا وليلى والعشق”
(الضوء خافت ، كأنه بقايا حلم.
صوت الريح يهمس فوق المسرح ،
وطارق يسير وحيدًا في ضوء قمرٍ ،
مترددٍ بين الظهور والغياب.)
طارق :
كلّ الطرق التي سلكتها كانت تؤدّي إلى ليلى ،
حتى تلك التي أقسمت ألا أمرّ منها ثانية ،
كانت تُخفي عطرها بين حجارة الليل.
لم أعد أفرّق بين وجهها والقدر ،
ولا بين صوتها والدعاء ،
ولا بين غيابها والموت الذي يمرّ بي كل مساء.
(يظهر ظلّ لامرأةٍ من نورٍ يتشكل رويدًا رويدًا
إنها ليلى ، لكنها ليست جسدًا ، بل معنى.)
ليلى :
أتذكرني يا طارق؟
كنتَ تبحث عني في العيون ، وأنا كنتُ فيك.
كنتَ تكتبني شعراً ، وأنا أكتبك وجعًا.
طارق :
ليلى ، أأنتِ امرأة؟
أم فكرةٌ تسربت من رحم الوجود لتختبر صدقي؟
ليلى تبتسم كأنها لا تعرف الحزن :
أنا ما أردتَ أن أكونه.
إن دعوتني عشقًا كنتُ عشقًا ،
وإن ناديتني وطنًا صرتُ ترابًا في صدرك.
أنا صورتك حين تحبّ بلا غاية.
طارق :
كنتُ أظنّ أن العشق خلاص ،
فإذا به امتحان
كنتُ أظن أن الحبّ دفء ،
فإذا به نارٌ لا تكتفي باحتراق الجسد ، بل الذاكرة أيضًا.
ليلى:
العاشق يا طارق لا يحترق ،
بل يُطهّر نفسه بالاحتراق.
حين تصل إلى رمادك ، تولد أنت.
وحين تفنى ، أبقى أنا.
طارق :
ليلى ، إن كنتِ حقيقةً ، فخذيني .
وإن كنتِ وهماً ، فاتركيني ،
فأنا لم أعد أحتمل هذا التناقض المقدّس بين العشق والمعنى.
ليلى تقترب حتى يلتصق ظلّها بظله :
لا فرق يا طارق
ففي النهاية ، كل عشقٍ صادق هو عبور إلى الله ،
وكل ليلى هي طريقٌ إلى ذاتك.
(تذوب ليلى في الضوء ، ويبقى طارق وحده ،
يمد يده نحو الفراغ الذي صار امتلاءً.)
طارق بهمسٍ :
يا ليلى ، يا أنا.
(الضوء يخرج من الظلّ ،
وكأن الليل انقلب وجهًا للنهار.
صوت أنثويّ خافت ،
يأتي من بين الذكريات.)
ليلى تتحدث :
كنتُ هناك
حين كتبني طارق أول مرة على هامش قلبه ،
لم أكن اسمي ، ولا وجهي ، ولا امرأة.
كنتُ رعشةَ وعيٍ في لحظة انكسار النور على ماءٍ راكد.
هو لم يحبني كما تُحبّ النساء ،
بل كما يتعبد الناس في صمتٍ ،
وهم لا يعرفون لمن يصلّون.
كنتُ بوصلته إلى الله ، وكان تيهي الجميل نحوه.
(تجلس على حجرٍ من ضوء ، تنظر كأنها ترى زمنًا لا يتغير.)
ليلى :
طارق لا يعرف ،
أن العاشق حين يبحث عن معشوقه ،
إنما يبحث عن الجزء الذي سقط منه يوم خُلق.
أنا ذلك الجزء الضائع منه ،
قطعة من طينه الأولي ، رُدت إليه بعد حين.
كان يخاف أن يحبّني ،
كأنّ الحبّ هاوية ،
ولم يعلم أني كنتُ الجسر ، لا الهاوية.
كنتُ أمدّ له نفسي طريقًا كي يعبر ،
لكنه كان يطيل التأمل في السقوط.
(تضحك بخفوتٍ كأنها تبكي من وراء الزمن.)
ليلى :
كلما اقترب مني ، ابتعد عني.
كلما ناداني ، خاف من صدى صوته في داخله.
أحبني كما يحب الشعراء موتهم الجميل ،
وكما يحب القديسون خطاياهم الأولى.
أنا لم أكن حلمًا ، ولا جسدًا ، ولا خيالاً.
كنتُ ‘هو’ ، حين صار أكثر من نفسه.
(تنهض بخطى من سكون ،
تلمس الهواء كمن يكتب عليه قصيدة.)
ليلى :
يا طارق ، أنا لستُ التي تبحث عنها ،
في المدن ولا في الوجوه ،
ولا في الكتب التي تفتحها لتقرأ نفسك.
أنا أنثاك الكونية ، التي خُلقت من ضلوع روحك ،
ولستُ أنثى من لحمٍ ودم.
كلّ عشقٍ بين رجلٍ وامرأة هو تمرين على الخلود ،
لكن القليلون فقط يدركون ذلك.
أما أنت ، فقد أحببتني حتى فنيتَ،
وحين فنيتَ ، وُلدتُ أنا.
ليلى وصوتها الاخير :
أنا ليلى التي لم تُخلق لتُحَب ،
بل لتُوقظ الحب في مَن يحبّها.
وحين يستيقظ ،
يكتشف أنه كان هو ، ليلى.
“العشق يتكلم”
(الفضاء صامت ، لا زمن، لا جسد، لا ظلّ.)
العشق:
أنا الذي لم يُخلق ،
بي تنفست الأرواح قبل أن تعرف أسماءها ،
وبي اشتعل الوجود ليعرف معنى الحنين إلى مصدره.
حين كتب طارق اسم ليلى ، كنتُ أنا من حرّك يده.
وحين بكت ليلى خوفًا من الفناء ،
كنتُ أنا من مسح دمعها بالعدم.
أنا أزرع بينكما المسافة ،
كي أُعلّمكما أن اللقاء لا يكون في العيون، بل في التجرّد.
كلّ من ظنّ أنه أحبّ ، كان يخطو نحوي ،
لكن القليل فقط يصل.
لأن الوصول إليّ ليس أن تملك ، بل أن تُسلم نفسك بلا شرط.
أنا النار التي تخافونها ،
لكنني أيضًا النور الذي تبحثون عنه.
أنا الحريق والبرد ، السكون والنبض ، البداية والنهاية.
من ينجُ منّي ، لم يعرفني.
ومن يفنى بي ، صارني.
ليلى كانت صدى الخلق ، وطارق كان السؤال ،
أما أنا ، فكنتُ الجواب الذي لا يُكتب ،
لأن من يكتبه يُطفئه.
أنا الصلاة بلا لسان ، والسجود بلا أرض ،
والرحلة التي لا تنتهي حتى تنتهي أنت.
العشق :
أنا ، هو.
ستار
تمت
طارق غريب