أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 24 أكتوبر 2024
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلّ له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم أما بعد إن أمر الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون في حس الإنسان المسلم وحياته واقعا مقررا لا يمكن تركه ولا المحيد عنه، لأن الأصل في هذه الطاعة الوجوب حيث قال تعالي ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ” ولقد حفل التاريخ بأمثلة عظيمة لهؤلاء المنفذيين للأوامر المطيعين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والأمر إذا جاء ووقع كان لا بد لزما من التنفيذ.
وقد تقبل الأوائل من الأنبياء والرسل والصالحين هذه الأوامر، ويقول صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلمَ يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، ولم يرضى بن عباس رضي الله عنهما معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بأي قول وإن كان قول العمرين ويقول رضي الله عنه ” يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر ” ويرغب النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فيمن يأتيه بخبر القوم في غزوة الخندق، فيقول من يأتيني بخبر القوم وله الجنة ؟ والشدة والخوف والبرد والجوع والحصار يحيط بالصحابة الكرام رضي الله عنهم.
فلما لم يقم أحد قال عليه الصلاة والسلام قم يا حذيفة، فما كان منه إلا أن قام، لأن الأمر إنتقل من الترغيب إلى الأمر، فلما أن كان في البداية ترغيبا ووعدا منه أنه صاحبه في الجنة أصبح الأمر الآن واجبا على حذيفة أن يقوم، فقال قم يا حذيفة، واتينا بخبر القوم، ولا تذعرهم علي، قال حذيفة رضي الله عنه فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقام يمشي ومن كرامة الله له أصبح وكأنه يمشي في حمام من الدفئ مع شدة البرد الذي كانوا فيه طيلة ذهابه لتنفيذ الأمر ورجوعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوصل إلى معسكر القوم وجلس إليهم ودنا من زعيمهم أبي سفيان، قال حذيفة فوضعت سهما في كبدي قوسي لأرميه، ولو رميته لأصبته، لكني تذكرت النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه لي.
فأرجعت سهمي في كنانتي، إنها الطاعة والإنقياد، فما رأيكم في المجتمع المسلم إذا كان مدمنا على الخمر؟ ماذا تقولون في أناس من العرب درجوا على الخمر أجيالا يشربونها، تجري في دمائهم كما الدم يجري؟ ثم يأتي الأمر بعد مدة من الزمن أن يجتنبوا هذه الخمرة وينتهوا عنها ولا يشربوها فيقول تعالي ” يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منهون ” فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا أن الخمر قد حرمت، فقال لي أبو طلحة أخرج فأنظر ما هذا الصوت؟
فخرجت فقلت هذا منادي ينادي ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي اذهب فأهرقها، قال أنس فجرت في سكك المدينة” رواه البخاري ومسلم، وفي رواية ” قال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال فقمت إلى مهراس لنا، فضربتها بأسفله حتى انكسرت ” وفي رواية لمسلم ” قال قم يا أنس فأرق هذه القلال، قال فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل ” فإنه الإنقياد والتسليم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ” فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل ” لم يكن هناك توسلات وإعفاءات واستثناءات وفترة تأجيلية حتى يتعودوا على هذا الأمر، لا، لقد كسرت تلك العبوات وشقت تلك الأوعية وسكبت في شوارع المدينة إنفاذا لهذا الأمر النبوي.