أين تتجه المعارك بين طرفي الصراع المسلح فى السودان
أين تتجه المعارك بين طرفي الصراع المسلح فى السودان
أين تتجه المعارك بين طرفي الصراع المسلح فى السودان
بقلم : هشام إبراهيم نصار
لايزال التصعيد العسكري مستمرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ويتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك الهدنة في مؤشر على صعوبة الأوضاع وتحدي الوصول إلى وقف اطلاق النار الذي تسعي إليه العديد من القوي الاقليمية وبينها مصر، و العديد من الأطراف الدولية والأمم المتحدة. وفي وضوء هذا الوضع تظل معادلة الاشتباك على حالها ما بين الطرفين منذ اندلاع المعركة، في مؤشر على احتمالات تحول السيناريو الحالي من سيء إلى أسوأ.
وأشعلت قوات الدعم السريع فتيل الأزمة التي اندلعت منتصف ابريل 2023 على خلفية تحركها في اليوم السابق لاندلاع المعركة للسيطرة على قاعدة مروي الجوية شمالي السودان، وهو الإجراء الذي اعترض عليه الجيش وقرر التدخل بالقوة لاستعادة القاعدة على التوازي مع محاولات السيطرة من جانب قوات الدعم على المواقع والمرافق الحيوية مثل مبني الإذاعة والتلفزيون والقصر الجمهوري، بالاضافة إلى المواقع العسكرية الاستراتيجية المركزية في العاصمة ومحيطها منها مقر القيادة العامة. ويعكس هذا التكتيك من جانب قوات الدعم مساعي السيطرة على العاصمة بشكل رئيسي، سعياً إلى السيطرة على السلطة، وعرقلة التوصل لاتفاق سياسي كانت القوي السياسية على وشك توقيعه.
تحركات مضادة من القوات المسلحة لاحباط مخطط الدعم السريع
تحركت القوات المسلحة في اطار رد الفعل لردع تحركات قوات الدعم السريع، وسرعان ما تمكنت من استعادة قاعدة مروي الجوية، ثم المعسكرات وأكبرها معسكرا طيبة وسوبا في جنوب الخرطوم، وكرري في شمال أم درمان وصالحة في جنوبها، ومعسكر التدريب في الجيلي في الخرطوم بحري، إضافة إلى معسكرات صغيرة أخرى في مناطق مختلفة من العاصمة. بالاضافة إلى اعلان القوات المسلحة السيطرة على قواعد ومقرات قوات الدعم السريع في عدة ولايات منها (بورسودان وكسلا والقضارف والدمازين وكوستي وكادوقلي).
وسلمت قوات الدعم أسلحتها ومركباتها بلا قتال في ولايات النيل الأبيض وكسلا والقضارف والبحر الأحمر والنيل الأزرق وجنوب كردفان وسنار والشمالية بالإضافة إلى الجزيرة، في حين أُجبرت على الاستسلام في ولاية شمال كردفان، ولا تزال المواجهات مستمرة في ولايات إقليم دارفور. في المقابل زعم قائد قوات الدعم السريع إن قواته أسرت ضباطًا كبارًا وأكثر من 100 جندي، وتسيطر على مطار الخرطوم ومواقع في داخل مقر قيادة الجيش والقصر الجمهوري ورئاسات الفرق العسكرية في ولايات دارفور، كما استولت على 200 دبابة ومركبة عسكرية.
ميل ميزان القوة لصالح القوات المسلحة
ويشير ميزان القوة ما بين الطرفين إلى التفوق الكمي والنوعي للقوات المسلحة، مقابل قوات الدعم السريع، حيث تمتلك قوات الجيش قدرات من أبرزها (205 ألف مقاتل، إسطول جوي حربي – مقاتلات وقاذفات وطائرة عمودية قتالية وطائرات نقل- مدرعات، ومدفعية، و راجمات صواريخ، ومسيرات. فضلاً عن أن بنيتها التحتية تشكل مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر وموارد بشرية تشمل أفراد مدربون في عدة مجالات ذات صلة بالنشاط العسكري والحربي. وتمكن هذه القدرات القوات المسلحة السوادنية من تحقيق العديد من الأهداف في المعركة الحالية منها القدرة على منع قوات الدعم من السيطرة على مواقع استراتيجية.
في المقابل تشير بعض التقديرات إلى أن عدد قوات الدعم السريع يصل إلى نحو 100 ألف فرد منتشرون في العديد من القواعد العسكرية في أنحاء البلاد، ومع ذلك من المتصور أن حجم القوة البشرية للدعم السريع أقل من ذلك بكثير، بل ربما يصل إلى نصف حجم هذا التقدير، خاصة وأن قوات الدعم اعتمدت في الفترة السابقة على قوة منتدبة من الجيش للعمل في صفوفها، وأغلب هذه القوة عاد إلى الجيش مرة أخري اعتراضاً على هذا التحرك من جانب قوات الدعم.
وتمتلك قوات الدعم أيضاً نحو 10 ألاف سيارة دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة مضادة للأفراد واخرى ثنائية ورباعية مضادات طيران. وعدد غير معلوم من المدافع، في حين لا تمتلك دبابات أو طائرات، وتمكنها هذه القدرات من الاغارة على المواقع والمعسكرات كقوة خفيفية يمكنها الحركة بنمط حرب العصابات، ومع ذلك لا يمكنها الاحتفاظ بها لفترة طويله، ومن ثم بدأت تلجأ إلى تطوير معادلة الاشتباك في الميدان، بزيادة التصعيد في العاصمة الخرطوم.
وفي هذا الاطار من المتصور أن هناك عدة عوامل قد تساهم في إطالة زمن الأزمة ومنها على سبيل المثال: –
انتشار عناصر قوات الدعم فى كل الولايات والمدن والجهات الحكومية.
اتخاذ المدنيين كدروع بشرية وخاصة فى العاصمة الخرطوم.
التدخلات الخارجية (إقليمية ودولية) وبعضها قد يسعي إلى تقديم الدعم لقوات الدعم السريع.
استغلال قائد قوات الدعم محمد حمدان حميدتى شبكة علاقاته التى كونها على مدار سنوات.
الاستفادة من عوائد الثروات المستولى عليها لصالح دعم قوات الدعم على مدار السنوات الماضية وتوظيفها في هذا الصراع.
توظيف القوي المستفيدة من الصراع الجاري، لاسيما القوي الاسلامية المحسوبة على النظام السابق، والتي تشير العديد من المظاهر إلى محاولاتهم زيادة عامل التوتر في المشهد الحالي.
لكن في المقابل أيضاً يمكن الاشارة إلى عدد من العوامل التي قد تساهم في احباط تحركات قوات الدعم، ومنها:
تزايد الميل الشعبي إلى تغليب كفة القوات المسلحة. بل ووجود إجماع بضرورة تفكيك أو دمج قوات الدعم السريع ومن المتوقع أن يزيد هذا الفعل من رفض السودانيون لوجود جيش موازِ .
المقارنة النوعية والكمية للقوات والتى تتجه نحو القوات المسلحة بفروق كبيرة.
عدم توفير غطاء لوجيستى لقوات الدعم السريع مما سيدفعها لتدبير احتياجتها من خلال أعمال النهب والسلب مما سيزيد الفجوة بين الشعب السودانى وقوات حميدتى والتى تشير التقديرات العسكرية إلى أنها تحتاج إلى إمداد متواصل من وقود وذخيرة وتموين غذائي للجنود، كما أنه في حال عدم توفر التموين، فالوقود يكفي 3 إلى 4 أيام في المتوسط، والذخيرة 3 أيام في أقصي مدى في حال الاشتباك المتواصل.
غياب الكفاءات والعناصر الفنية بين قوات الدعم السريع لاعتمادها السابق على العناصر المؤهلة من الجيش السودانى.
غياب الدعم المخابراتى المعلوماتى والتى كانت تمدها بها المخابرات السودانية خلال الفترة الماضية من خلال التنسيق بين الجانبين.
فشل محاولة الزج بمصر فى الصراع من خلال التعرض للقوات المصرية الموجودة للتدريب المشترك فى قاعدة المروى شمال غرب الخرطوم.
ضعف الدعم الإقليمى والدولي لقوات الدعم السريع في ظل التحذيرات الدولية من الاقدام على هذه الخطوة.
وجود سجل حافل من إنتهاكات قوات الدعم لحقوق الإنسان وستزيد الأعمال الحالية من المزيد من الانتهاكات .
ختاماً، على الرغم من هذه المعطيات يصعب التكهن بالسيناريو التالي في ظل تفاعلات المشهد الراهن المتسارعة والمعقدة والتي تتحول المشهد من سيىء لأسوأ على نحو ما سلفت الاشارة، إلا أنه من المتصور أن مشروع ادماج الدعم السريع في القوات المسلحة وصلت إلى نقطة اللاعودة. ومع ذلك من الأهمية بمكان القول بأن الانزلاق إلى الحرب مكلف للسودان، ومن ثم تقتضي اللحظة الحالية تغليب الحكمة للعبور من الأزمة بتقديم الأطراف للتنازلات الممكنة حتى يتم تسوية الوضع المتأزم.