المقالات

إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم

الدكروري يكتب عن إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم

الدكروري يكتب عن إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ورد في القرآن الكريم كما جاء فى سورة الأحزاب “ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديد ” أي أنهم جاءوكم من الناحتين المرتفعة والمنخفضة من الأرض، فالمعنى الصحيح للآية هو أن اليهود كانوا واقفين بالقرب من الطور عندما أعطاهم الله تعالى بعض الوصايا وأخذ منهم العهد للعمل بها، وقد نسب رفع الطور إلى الله تعالى في قوله “ورفعنا فوقكم الطور” لأنه هو الذي أوصاهم بالمكث أسفل الجبل كما هو وارد أيضا في التوراة، واستخدام كلمة رفعنا و فوق، إشارة إلى أن ميثاق الطور هذا له صفة الدوام، إذ أن هذا العهد قد أخذ عند الطور وليس هذا فحسب، وإنما يشير أيضا بطريق المجاز اللطيف إلى أن الطور سيبقى دائما محلقا فوق رؤوسهم يذكرهم بهذا العهد.

وليس العهد ليوم أو يومين، وإنما له ارتباط دائم بالحياة القومية لبني إسرائيل، وقال الطبرى رحمه الله في تفسيره قوله تعالى ” وظللنا عليكم الغمام” فهو عطف على قوله تعالى “ثم بعثناكم من بعد موتكم” فتأويل الآية ثم بعثناكم من بعد موتكم، وظللنا عليكم الغمام، وعدد عليهم سائر ما أنعم به عليهم، لعلكم تشكرون، والغمام هو جمع غمامة، كما السحاب جمع سحابة، والغمام هو ما غم السماء فألبسها من سحاب وقتام، وغير ذلك مما يسترها عن أعين الناظرين، وكل مغطى فالعرب تسميه مغموما، وقال ابن العثيمين رحمه الله في تفسيره أي جعلناه ظلا عليكم وكان ذلك في التيه حين تاهوا وقد بقوا في التيه بين مصر والشام أربعين سنة يتيهون في الأرض وما كان عندهم ماء، ولا مأوى ولكن الله تعالى رحمهم، فظلل عليه الغمام والغمام هو السحاب الرقيق الأبيض.

وقيل هو السحاب مطلقا وقيل هو السحاب البارد الذي يكون به الجو باردا، ويتولد منه رطوبة، فيبرد الجو، وقيل هذا هو الظاهر، وأما قوله تعالى ” وأنزلنا عليكم المن والسلوى” فقال السعدي رحمه الله في تفسيره، هو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك، وأما عن السلوى، فهو طائر صغير يقال له السمانى، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم، وأما عن قوله تعالى ” كلوا من طيبات ما رزقناكم” فقال ابن العثيمين في تفسيرها، قوله تعالى ” كلوا ” وهو أن الأمر هنا للإباحة يعني أننا أبحنا لكم هذا الذي أنزلنا عليكم من المن، والسلوى، ومعنى ” من طيبات ما رزقناكم” فإن ” من ” هنا لبيان الجنس، وليست للتبعيض، لأنهم أبيح لهم أن يأكلوا جميع الطيبات، وقوله تعالى ” وما ظلمونا ”

أي ما نقصونا شيئا، لأن الله تعالى لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة الطائعين، وأما عن قوله تعالى “ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” فمعنى أنفسهم هو مفعول مقدم ليظلمون، وقدّم لإفادة الحصر، أي لا يظلمون بهذا إلا أنفسهم، أما الله سبحانه وتعالى، فإنهم لا يظلمونه، لأنه سبحانه وبحمده لا يتضرر بمعصيتهم، كما لا ينتفع بطاعتهم، وأما عن قوله تعالى ” وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” وقال البغوى رحمه الله، ما نصه ” أي وما بخسوا بحقنا، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة في الدنيا ولا حساب في العقبى، وهذه هي قصة التيه الذي حصل لبني إسرائيل، والذي استمر أربعين سنة يتيهون في الأرض.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار