إياكم من الإنبهار بالدنيا وزينتها
بقلم ـ محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد اعلموا أن من أسباب الفتور للمسلم، وهو الإنبهار بالدنيا وزينتها والإغترار بنعمها الزائلة، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغير به حال العباد من الثبات إلى الفتور، ومن القوة إلى الضعف، ومن هنا حذر خالقها سبحانه من الإغترار بها فقال تعالي ” يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ” وإنه لابد أن نعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرّت يوما أو أياما ساءت أشهرا وأعواما.
وإن متعت قليلا منعت طويلا، وما حصّلت للعبد فيها سرورا، إلا خبّأت له أضعاف ذلك شرورا، واعلموا إنما الدنيا فناء ليس في الدنيا ثبوت، وإنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت، ويقول الحسن البصري والذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه، غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها وبهرجها طريقًا إلى جنة ربك ، كيف لا وهي مزرعة الآخرة وطريق لها ، وهي وإن كانت ممرا ، فإنها توصلك إلى المقر ، فاختر مقرك في ممرك، فلا تتبع الدنيا وأيامها ذما وإن دارت بك الدائرة، من شرف الدنيا ومن فضلها أن بها تستدرك الآخرة، وقال الفضيل رحمه الله جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، وقال رجل للفضيل بن عياض كيف أصبحت يا أبا علي ؟
فكان يثقل عليه كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ فقال في عافية، فقال كيف حالك، فقال عن أيّ حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه وضعف عمله وفني عمره، ولم يتزود لمعاده ولم يتأهب للموت، ولم يخضع للموت ولم يتشمر للموت، ولم يتزين للموت، وتزين للدني، فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند الله، بأن نعيمها يفنى وجديدها يبلى، علم أنه لم يخلق لها وإنما خلق للآخرة، فجد في العمل لها ومزّق ثوب الفتور والتواني عن جسده، ولبس ثوب المثابرة في عبادته، ممتثلا قول الله تعالى “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” واعلموا يرحمكم الله أن من أسباب الفتور في العبادة هو طول الأمل وهذا هو قاتل الهمم ومفتر القوى.
وهو قرين التسويف والتأجيل وحبيب الخاملين الهاملين وعدو الأتقياء النابهين، ويكفي طول الأمل مذمة الله له حيث قال في كتابه ” ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ” ويقول الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم واصفا تعلق الإنسان بالدنيا وطول الأمل فيها ” لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين، في حب الدنيا وطول الأمل ” فيا أخي الحبيب قل بربك أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا كان طول الأمل يحيط بفكره، ويملأ عليه حياته، كلما سمع نداء الجد قال غدا، وكلما سمع صوت العمل قال سوف وسوف، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس، وتنتهي إلى الكسل والخمول، وقال الحسن البصري “تؤمل أن تعمر عمر نوح وأمر الله يطرق كل ليلة” ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلاة متبع له مقتف لسنته.
اللهم صل على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار وصل على محمد ما تعاقب الليل والنهار وصل على محمد وعلى المهاجرين والأنصار اللهم صل عليه ما ظهرت النجوم وتلاحمت الغيوم، اللهم صل وسلم على صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود، اللهم صل وسلم وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والمقام الأطهر والمجد الأسنى الأظهر، اللهم ارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه واسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا.
إياكم من الإنبهار بالدنيا وزينتها