إياكم من الإنفراد والعزلة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد لقد أوصى الله عز وجل نبيه المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم بمرافقة الصالحين فقال تعالي ” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ” احذر يا رعاك الله من صحبة البطالين فإنهم موتى القلوب ولا يورثونك إلا موتا، ولا يكسبونك من الله إلا بعدا فاجتنبهم كما تجتنب الداء العضال والوحوش المفترسة واربأ بنفسك أن تجالس من انحطت همتهم، وتمرغت في الخطايا كرامتهم، فانفر بنفسك قبل أن تحترق بكيرهم أو تختنق من دخانهم.
ولقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من مصاحبتهم فقال تعالي ” ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ” وكما أن من أسباب الفتور في العبادة هو الإنفراد والعزلة، ففي زمن كثرت فيه المغريات وتنوعت فيه وسائل الشهوات وسهلت فيه الخلوة بما حرم من المثيرات أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور، وطريقا إلى الخور والضعف لأن المسلم حينما ينفرد لا يعرف صوابه من خطئه ولا قوته من ضعفه، فتراه يسير متخبطا في عمى، بلا دليل يدل ولا حكيم يرشد، فيسهل قياده من الشيطان للتقصير والهوى، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ومن هنا جاءت التعليمات النبوية بالأمر بالتمسك بالجماعة، والتحذير من الفرقة والإختلاف، لأن الله تعالي لا يجمع الأمة على ضلالة، فمن تمسك بهديها اهتدى ومن شق جماعتها ضل وغوى.
ولعلك أخي الكريم تذكر قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين رجلا، فإنه لما هداه الله تعالى على يدي ذلك العالم، وتأكد العالم من توبته وصدق إنابته، لم يتركه يعبد الله وحده، بل قال له أن ينطلق إلي البلد الصالح حيث يوجد الصالحين بها وإنها لثمرة يانعة لمن قصد الله بالتوبة، وقصد أهل الخير والصلاح ليعينوه بعد الله على عبادة الله تعالى، فلنعم القصد ولنعمت النتيجة، وكما أن من أسباب الفتور في العبادة هو عدم معرفة الله حق معرفته والجهل بعظمته في النفوس، فإن من عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته، لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته، أو الوقوع في معصيته، أو الخلوة بالخطيئة، أو المجاهرة بالسيئة، ومن جهل برقابة الله عليه وسمعه لكلامه ونظره إليه وعلمه بحركاته وسكناته ولم يؤمن بقدرة الله عليه، أو تغافل عن هذا كله فقد نزع عن نفسه لبوس الحياء من الخالق سبحانه.
ومن لم يستحي فليصنع ما يشاء، فلا عجب بعد هذا إذا فتر أو قصر، فإن من تأمل أحوال المتنكبين عن طريق الهداية بعد التزامهم بها يجد غفلتهم عن عظمة الله تعالي تتربع في قلوبهم، وإلا فهل يستخف بالمعصية من يعلم بأن الله يراه ويسمعه ويحاسبه، وهل يسرق الناس أموالهم من يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وهل من يستعلي على الخلق ويظلمهم يوقن بقدرة الله عليه؟ فإن لتعظيم الله عز وجل في النفوس لأثرا يعلم به الذين أسهروا ليلهم قياما لله ركعا وسجدا، وأمضوا نهارهم صياما وذكرا، فإذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب، ولا تحسبن الله يغفل ساعة، وأن ما تخفي عليه يغيب، فاللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنقلع عن اللهو والعزف والغناء، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنستلذ بكلام الله وذكره، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنكون لك مخبتين طائعين مختارين في ظواهر أنفسنا، وفي بواطنها، اللهم حل بيننا وبين معصيتك يا رب العالمين.
إياكم من الإنفراد والعزلة