إياكم من الحساب عن الحواس وإستعمالها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية التربوية والتعليمية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن القضايا وكيفية الحساب يوم القيامة، وأن الحساب يتناول كل شيء، ومنها النعم وشكرها حيث قال الله تعالى ” ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ” وقال مجاهد في التفسير أي عن كل لذة من لذات الدنيا، وكذلك الحساب عن الحواس واستعمالها، حيث قال الله تعالى.
” إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ” وقال ابن عباس رضي الله عنهما في التفسير أي يسأل الله العباد فيما إستعملوها وهو أعلم بذلك منهم، فالحمد لله رب العالمين أن هدانا إلى الإيمان، وأنزل القرآن على نبينا ورسولنا خاتم المرسلين، حيث قال تعالى في إفتتاح سورة الكهف ” الحمد لله الذي أنزل علي عبدة الكتاب ولم يجعل له عوجا” والحمد لله رب العالمين أن بعث فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، والحمد لله أن جعل الرسول الأمين صلي الله عليه وسلم شفيعنا يوم القيامة وشهيدا، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول ” اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن،
أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا الله أنت” ولقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن الحلف كاذبا، فإن الحلف كاذبا حرام، وأشده حرمة من أجل الكسب، فعن أبي ذر رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سعلته بالحلف الكاذب” رواه مسلم، ولقد أعطي السلف الصالح نموذجا رائعا للتاجر الصادق الأمين فهذا يونس ابن عبيد الله رحمه الله تعالى من التجار فكان عنده حلل مختلفة الأثمان، ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة،
وضرب كل حلة قيمتها مائتان، فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها، فاشتراها فمضى بها وهي على يديه، فاستقبله يونس فعرف حلته، فقال للأعرابي بكم اشتريت؟ فقال بأربعمائة، فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها، فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها، فقال له يونس انصرف، فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم، وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت، أما اتقيت الله، تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين، فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها، قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك؟ ومطلوب الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى، وهذا من منهج الإسلام الذي وضعه لتربية الناس على خلق الأمانة.
خاصة في البيع والشراء فقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى، والإحساس بمعيته في جميع الأحوال في السفر والحضر، في الخلوة والجلوة، في الليل والنهار، في السرّ والعلانية، وهكذا ربط هذا المنهج التربوي الناس بربهم فراقبوه في أعمالهم حتى أينعت ثمرات هذا المنهج، فظهرت الأمانة في أبهى صورها عبر أحداث روتها لنا كتب الحديث الصحيحة، ومن ذلك ما روى عن عبد الله بن دينار أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فإنحدر بنا راعي من الجبل فقال له، يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال إني مملوك، فقال قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي فأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال أعتقتك الصدق في الدنيا هذه الكلمة،
وأرجو أن يعتقك في الآخرة، ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلي آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد يا رب العالمين.

