اترك أثرا حميدا قبل رحيلك
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وهيأ لنا سبل الخير ونوّعها، وذلل لنا وسائلها، وجعلها متاحة لكل منا حسب حاله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحابته وأتباع ملته أما بعد لقد أمرنا الله بالمعروف وفعل الخير، ونهانا عن المنكر وعن فعله، فيقول أحد الناس لقيت بمنى شابا غير عربي، يحمل شيخا كبيرا على ظهره، فأردت أن أشكره على بره، فقلت له جزيت خيرا لبرك بأبيك، فقال لكنه ليس أبي ولا من بلدي، قلت فمن إذن؟ قال وجدته بعرفة ليس معه أحد، فحملته على ظهري إلى مزدلفة ومنها إلى منى، قلت لم فعلت ذلك؟ قال سبحان الله ” إنما المؤمنون أخوة ” فسبحان الله العظيم فأين أنت يا أخي الكريم يا من تقرأ سطوري هذه من فقراء الحي الذي هم بجوارك، فاسأل عنهم، وتفقد أحوالهم وحوائجهم، واترك أثرا حميدا قبل رحيلك.
فما أحوجنا إلى هذه الأخلاق التي يبقى أثرها في القلوب قبل السطور ” إن رحمت الله قريب من المحسنين ” وتذكر أيها السائر على طريق التوفيق أنك تعيش في هذه الدنيا مرة واحدة، وقد ترحل عنها في أي وقت فاغتنم عمرك أيها الإنسان ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ” وكما قيل ما أحلى أن يجد الإنسان في صحيفته حسنات لم يتعب فيها وأن يملأ ميزانه بطاعات عملها غيره وأن يرتقي درجات بعد أن يواريه التراب، فالحياة فرصة كبيرة وثمينة تحتاج إلى همة عالية وجد وإجتهاد وتوفيق من الكريم المنان فاسألوا الله من فضله، واعلموا أن الكيفية المثالية لإستثمار الكلمة الطيبة في هداية الآخرين والتحبب إليهم ومودتهم والدخول إلى قلوبهم، بأن المراد بالكلمة الطيبة هي التي تسر السامع وتؤلف القلب، وهي التي تحدث أثرا طيبا في نفوس الآخرين.
وهي التي تثمر عملا صالحا في كل وقت بإذن الله، وهي التي تفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشر، فإن الكلمة قضية شأنها عظيم وخطرها جسيم ، بها يدخل المرء في دين الله تعالي فيحرم ماله وعرضه بالنطق بالشهادتين، وبمثلها يباح دمه، فما إنتشر الإسلام وما عرفناه إلا بكلمة اقرأ، وما إنتشرت دعوة الحق ووحي السماء إلا بكلمات القرآن المجيد، من آيات الخير والهدى، وما أقيمت دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة إلا بكلمة التوحيد التي آخى بها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار، وبالكلمة عقدت الأحلاف بين المسلمين وغيرهم وبالكلمة دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك وزعماء القبائل والاكاسرة والقياصرة إلى الإسلام، وبالكلمة بعث السرايا واستقبل الوفود وأتم تبليغ هذا الدين ورسخ الإيمان بكلمة التوحيد ونبذ الكفر.
وما جره من القول على الله بغير علم، ولا يكون الزواج والطلاق والبيع والتجارة بين الناس إلا بكلمة، وفي المقابل ما غزانا العدو إبتداء إلا بكلمة وما روج للفساد الفكري والأدبي والثقافي إلا بكلمة، وما تنافر الخلق وانتشر الحسد والبغض إلا بكلمة، ومن هنا تبرز أهمية الكلمة ودورها في حياة الفرد والمجتمع، وما هذه الحلقات إلا دعوة لتستعيد الأمة دورها الحضاري بنشر الخير اللفظي وبث الوعي للإنسانية جمعاء بالكلمة الطيبة “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” حتى تبنى الأمة بناء يتفق مع الشخصية الاسلامية، وحتى تدرك قيمة الكلمة وتربى الاجيال على كلمة الاسلام من جديد، وحتى نرقى بأسلوب حياتنا وتعاملنا وننأى بأنفسنا وألسنتنا وأقلامنا ووسائل إعلامنا عن التراشق برديء الكلام.
اترك أثرا حميدا قبل رحيلك
وسيئ القول وليس معنى هذا أن نستسلم فلا ندافع عن أنفسنا فالمدافعة تكون أحيانا بالسكوت، والإعراض عن الجاهلين ” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.