المقالات

الأقوال المأثوره في الخوف من الله 

 

 ‏بقلم / هاجر الرفاعي 

الأقوال المأثوره في الخوف من الله 

 إن الخوف من الله جائت لتقوية دلالته أقوال كثيرة ومن أعظمها مايلي حيث قال الحسن البصري :”ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لا يأكلون فيها أكلة ولا يشربون فيه شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها،واشتد لفحها”. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الخائفين، فقال: (قلوبهم بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا وعلى جهنم طريقنا وبين يدي الله موقفنا؟!).

 

 وروي عن ميسرة بن أبي ميسرة أنه كان إذا آوى إلى فراشه يقول: يا ليتني لم تلدني أمي، فقالت له أمه حين سمعته: يا ميسرة، إن الله قد أحسن إليك، هداك للإسلام، قال: أجل، ولكن الله قد بين لنا أنا واردون على النار، ولم يبين لنا أنا صادرون عنها. يعني قوله تعالى: وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا *وقال معاذ بن جبل: (إن المؤمن لا يسكن روعه حتى يترك جسر جهنم وراءه).

 ‏وكان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلةً فبكى أهل الدار لبكائه، ولا يعلمون ما به، فقالت له زوجه: (ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟) قال: (ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير).

 ومرّ الحسن البصري رحمه الله بشاب وهو مستغرق في ضحكه جالس مع قوم فقال له الحسن: “يا فتى هل مررت بالصراط؟، قال: لا. قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا. قال: فما هذا الضحك؟ قال : فما رُئِيَ ذلك الفتى بعدها ضاحكًا”. ‏النظر في سير السالفين: فمع صلاحهم وتقواهم لله عز وجل وبعدهم كل البعد عن محارم الله إلا أنهم كانوا على خوف ووجل شديد من الله تعالى وعلى رأس هؤلاء : رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول” والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصَعُدات تجأرون إلى الله تعالى”

 

ويقول عبد الله الشخير بن عوف – رضي الله عنه رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء. وهذا يفسر لنا ما كان عليه النبي من شدة الحذر من عقاب الله، والخوف من سخطه، ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مَطَرَت سُرَّ به، وذهب عنه ذلك، قالت عائشة: فسألته فقال ((يا عائشة، ما يُؤْمِنّي أن يكون فيه عذابٌ، عُذّب قوم بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا)).ولما كسفت الشمس في عهده خرج إلى المسجد مسرعًا فزعًا، يجرُّ رداءه من شدة الفزع، فلما فرغ من تلك الصلاة خطب خطبة عظيمة بليغة، كان منها قال : يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا))

 

 وهذا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- يمسك بلسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد، وكان يبكي كثيراً خوفاً من الله. وكان إذا صلى لم يفهم الناس ما يقرأ من شدة أسفه وبكائه.ويقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.ويقول: يا ليتني خَضرة تأكلني الدواب.

 

وهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -وكان في وجهه – رضي الله عنه – خطان أسودان من البكاء، وكان يسأل حذيفة بن اليمان، أنشدك الله: هل سماني لك رسول الله ، يعني من المنافقين. فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدا. وهاهو ينقش على خاتمه: (كفى بالموت واعظاً يا عمر). ويقول:( يا ليتني كنت هذه التبنة))((يا ليتني لم أكن شيئاً مذكوراً) يا ليت أمي لم تلدني ) ويقول( لو مات جمل ضياعاً على جانب الفرات لخشيت أن يسألني عنه الله يوم القيامة)). ويقول: (( لو نادى منادٍ من السماء يا أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا واحداً لخفت أن أكون أنا هو))..!!

 

وقال لابنه وهو يموت: ويحك ضع خدي على الأرض لعل الله يرحمني. ثم قال: ( ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي ). وها هو ينام على فراش الموت فيدخل عليه ابن عباس ،فيقول ابن عباس : (أبشر ببشرى الله لك يا أمير المؤمنين! لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته، ثم توفي رسول الله وهو عنك راض، ثم صحبت خليفة رسول الله فأحسنت صحبته، ثم توفي أبو بكر وهو عنك راض، ثم صحبت أصحاب رسول الله فأحسنت صحبتهم، ولئن مت اليوم فوالله إنهم عنك لراضون، فقال عمر : ذلك منٌّ منَّ الله به عليّ، ثم قال -: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه).

 

وهذا عثمان بن عفان – رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير. ويقول : (وددت لو أنني لو مت لم أبعث) وهو الذي كان يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ويتخرق مصحفه من كثر ما قرأ به ، ومات ودمه على المصحف شهيداً..  

 

 وهذا سفيان الثوري:يبول دما من خوفه من الله لما حمل ماء بوله إلى طبيب في علته التي مات فيها نظر الطبيب في هذا الماء وقال: هذا ماء رجل قد أحرق الخوف جوفه.

 ‏وها هو ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له حماد : أبشر يا أبا عبد الله ! إنك مقبل على من كنت ترجوه وهو أرحم الراحمين، فقال له سفيان : أسألك بالله يا حماد ! أتظن أن مثلي ينجو من النار؟!

وهذا الشافعي: لما نام على فراش الموت دخل عليه المزني فقال له المزني : كيف أصبحت يا إمام؟! فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، ولعملي ملاقياً، وعلى الله وارداً، فلا أدري أتصير روحي إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ثم أنشد قائلاً:

 

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت الرجا مني لعفوك سُلما

 

تعاظـمـني ذنبي فلما قارنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما

 

وكان مالك بن دينار يقوم الليل يبكي للعزيز الغفار، وهو قابض على لحيته ويقول: يا رب! يا رب! لقد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار ؟!

 

 وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله إذا ذكر الموت خنقته العبرة وكان يقول : الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب.قال ابن قدامة المقدسي:عقب ذكره جملة من أخبار الخائفين والخاشعين:

 

(فهذه مخاوف الملائكة والأنبياء والعلماء والأولياء، ونحن أجدر بالخوف منهم، ولكن ليس الخوف بكثرة الذنوب، ولكن بصفاء القلوب وكمال المعرفة، وإنما أمِنّا لغلبة جهلنا وقوة قساوتنا؛ فالقلب الصافي تحركه أدنى مخافة، والقلب الجامد تنبو عنه كل المواعظ، فنسأل الله أن نكون من ذوات القلوب الصافية التي تخاف الله وتخشاه.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار