الأمة العربية بين ضعف الماضي وتحديات الحاضر: دروس مستفادة ورؤية للمستقبل
محمود سعيدبرغش
مرت الأمة العربية بمحطات فاصلة في تاريخها، تفاوتت بين مجدٍ وازدهارٍ وهزيمةٍ وانكسار. كانت لحظات القوة نابعة من الوحدة، بينما جلبت الفرقة والصراعات الداخلية الضعف والهزيمة. عانت الأمة من غزوات خارجية، بدءًا من الصليبيين إلى التتار، وصولًا إلى الاستعمار الغربي والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. واليوم، تعيش الأمة تحديات لا تقل خطورة، في ظل صمت حكامها وانقسام شعوبها. هذا المقال يستعرض دروس التاريخ وعبره، ويضع رؤية لمعالجة أزمات الأمة الراهنة.
ضعف الأمة واستغلال القوى الخارجية:
إن أهم أسباب الاحتلالات التاريخية للأراضي العربية كان الفرقة بين الحكام والصراعات الداخلية. عندما استغل الصليبيون ضعف المسلمين وتشتتهم، تمكنوا من احتلال القدس عام 1099م. وكان هذا الاحتلال دليلاً واضحًا على خطورة التراخي والانقسام، إذ تمكن الصليبيون من السيطرة على مساحات شاسعة من بلاد الشام.
وعلى نفس النهج، استغل التتار انشغال جلال الدين الخوارزمي بالحروب الداخلية، فاجتاحوا الأراضي الإسلامية وأحدثوا دمارًا هائلًا. كانت هذه الغزوات نتيجة لغياب القيادة الموحدة التي تجمع الأمة تحت راية واحدة، مما فتح الباب أمام هولاكو وجيشه لتدمير بغداد عاصمة الخلافة العباسية عام 1258م.
الانتصار والوحدة في وجه الغزاة:
بالرغم من فترات الضعف والانقسام، قدم التاريخ نماذج مضيئة من الوحدة والقيادة الحكيمة التي أنقذت الأمة. استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يوحد صفوف المسلمين، فحقق انتصارًا كبيرًا في معركة حطين عام 1187م واستعاد القدس من الصليبيين. كذلك فعل السلطان قطز الذي قاد جيش المسلمين في معركة عين جالوت عام 1260م، ليوقف زحف التتار ويدحرهم عن الأراضي الإسلامية.
هذه الانتصارات تؤكد أن وحدة المسلمين هي الطريق الوحيد لمواجهة التحديات، وأن القيادة القوية والعزيمة الصادقة قادرتان على تحويل مسار التاريخ لصالح الأمة.
دروس التاريخ والحاضر المأزوم:
اليوم، تعيش الأمة العربية أوضاعًا تشبه تلك التي مرت بها في عصور الضعف. الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عقود، والصراعات الداخلية في العديد من الدول العربية، كلها تعكس أزمة حقيقية تعاني منها الأمة. ومع ذلك، يبقى صمت الحكام العرب وضعف موقفهم تجاه قضايا الأمة الكبرى هو أبرز مظاهر الأزمة الراهنة.
بينما تتزايد التدخلات الخارجية وتتصاعد الأزمات الداخلية، يبقى الشعوب في حالة انتظار لوحدة عربية شاملة تعيد للأمة كرامتها وقوتها. إن استمرار الانقسامات سيؤدي إلى مزيد من التدخلات الأجنبية، كما حدث في التاريخ مرارًا وتكرارًا.
القرآن والسنة: مفتاح النهضة:
إن العودة إلى تعاليم الإسلام هي السبيل الوحيد لاستعادة القوة والوحدة. يقول الله تعالى:
“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103)، وهذه الآية توضح بجلاء أن الوحدة هي الأساس في مواجهة التحديات.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” (متفق عليه)، مشيرًا إلى أهمية التعاون والتماسك بين أفراد الأمة. وفي حديث آخر:
“من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” (رواه أحمد)، وهو دعوة واضحة لتحمل المسؤولية تجاه قضايا الأمة.
الرؤية للمستقبل:
إن ما تحتاجه الأمة اليوم ليس فقط الوحدة السياسية، بل أيضًا نهضة فكرية وثقافية واقتصادية تعزز مكانتها بين الأمم. على الحكام أن يدركوا أن بقاءهم مرتبط بخدمة شعوبهم وتحقيق مصالح الأمة، وليس بالحفاظ على مناصبهم
الأمة العربية بين ضعف الماضي وتحديات الحاضر: دروس مستفادة ورؤية للمستقبل