الإقتداء بالسلوكيات العملية لرسول الله
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن بدعة الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكيف يتم الإحتفال به من بعض الجهال مروجي البدع والفتن، ويقول الدكتور عبد القادر الطويل ” وبمرور عابر على ما يقولونه ويتشدقون به من الملامح الشخصية، والصفات البدنية والخلقية، ويملؤون أفواههم بالمعجزات المادية، ويوهمون القارئ والسامع بأنهم قالوا كل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم وضعوه بذلك في درجة العظمة، وإرتفعوا به لدرجة القداسة، ونسوا جميعا أو تناسوا قول الله تعالى.
الذي جاء في سورة الأحزاب ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ” ويعني ذلك كله أن علاقتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن علاقة إعجاب بشكله الجميل، أو بوسامته أو ما صاحب مولده من معجزات حسية، وما صاحب ذلك من قصص وحكايات يتفيهق بها المحدثون، ويتشدق الخطباء ويثيرون بها عواطف الناس، وينالون بها مص شفاه الدهماء والبسطاء، وينالون إعجابهم، والحقيقة إذا كنا نريد أن نتذكر وأن ننتفع بالذكرى كما وجهنا القرآن الكريم أن نقتدي، وأن نتأسى بالجانب العملي والسلوكي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الجانب الذي أمرنا بالإهتداء والإقتداء به، ولم نؤمر بالتغزل في شكله أو بإنتحال القصص التي تنتزع إعجاب السامعين، وأمامنا الجوانب العملية الحية التي نتخذ منها العبرة.
ونستخلص منها العظة حتى نستطيع أن نأخذ من ماضينا لحاضرنا، وأن تكون حياته النموذج المجسم الذي ننظر إليه، فنرى الصورة التي لا يصلح غيرها لبناء أمة وقيامها، والتي نستطيع من خلال تأملنا لها ودراستنا لأوضاعها أن نعدل الحاضر في الماضي لهذه الصورة، وفي القرآن الكريم وفي سيرته عليه الصلاة والسلام للدارس المتأمل، وللقارئ البصير تكمن مواطن الذكرى النافعة، التي يحسن إبرازها وتجسيدها أمام القارئ والمستمع ليعالج نفسه وأوضاع مجتمعه في ضوء السلوكيات العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول فضيلة الشيخ الدكتور محمود شلتوت رحمه الله ” جرت سنة المسلمين بعد قرونهم الأولى أن يحتفلوا في شهر ربيع الأول من كل عام بذكرى ميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في الإحتفال بهذه الذكرى.
أساليب تختلف بإختلاف البيئات والبلدان وتتلى قصة المولد الشريف بما أودع فيها من الأوصاف الخلقية، والأوضاع التي كان عليها وقت ولادته عليه الصلاة والسلام، وتلك ذكراهم لميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وهكذا جرت سنة المسلمين بعد قرونهم الأولى، وما كان المسلمون الأولون يفكرون في تعيين زمن خاص يذكرون فيه الناس بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الإحتفالات التي تقام أو المقالات التي تكتب، أو الأحاديث التي تذاع ذلك أنهم كانوا يرون عظمته صلى الله عليه وسلم ليست من جنس العظمات التي يخشى عليها النسيان، أو التلاشي في صحف الأيام حتى تحتاج في بقائها إلى تذكير الناس بها وتنبيه وعيهم إليها، وليست من جنس العظمات التي تألفها الأمم في نوابغها وأفذاذها، تكون في ناحية من نواحي الحياة، كإنتصارٍ في معركة، أو فتح لحصن.
الإقتداء بالسلوكيات العملية لرسول الله
أو سبق إلى إختراع مادي، أو كشف نظرية علمية في السماء أو في الأرض، أو زعامة أمة، أو إقليم، وإنما كانوا يرونها كما هي في الواقع أنها عظمة خالدة بخلود آثارها في العالم، تنمو وتمتد وتسري بقوتها الذاتية في جوانبه شرقا وغربا، وتنطلق أشعتها على مجاهيل الكرة الأرضية، فتنبض لها القلوب، وتتحرك لها العقول، وتنشرح بها الصدور، وتمتلئ بروعتها وبساطتها النفوس، وترسم هي لهم سُبل السير وراءها، فيكشفون للناس عن جوهرها ومصدرها وعن نظمها في الحياة، كانوا يرونها خالدة بأثرها هكذا، وخالدة بكتابها الخالد الذي يهدي الإنسان في الحياة إلى التي هي أقوم في عقيدته، وفي خلقه ونظم حياته، وروابطه العائلية والمدنية والإنسانية، وفى علاقتها بالكون أرضه وسمائه، وفي تمتعه بلذائذ الحياة الطيبة، وفي تضامنه مع إخوته بني الإنسان.