التعاون علي البر والتقوي
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بالبر والتقوي، وأن نتعاون علي البر والتقوي، وأن نبتعد عن الإثم والعدوان وعن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالي، وكما أمرنا أن نكون من المحسنين إلي الخلق، فإن هناك كثير من الذين ينتظرون منك الإحسان وطيب المعاملة والمعاشرة بالمعروف ومن أولئك الوالدان فبرّك بهما وطاعتك لأمرهما والقرب منهما إحسان منك وبرّ، ومن أولئك أيضا زوجتك وأبناءك وأهل بيتك وأرحامك وقرابتك فالعناية بهم وصلتهم وتلمّس حاجاتهم.
وسوقهم إلى كل خير ومعروف إحسان منك لهم وصلة، ومن أولئك أيضا جيرانك وجماعة مسجدك فزيارتك لهم وكف الأذى عنهم والتعاون معهم في كل فضيلة ومشاركة في أفراحهم وأحزانهم إحسان منك لهم ومعروف، ومن أولئك أيضا أهل بلدك، وساكني وطنك وشركاءك في أرضك فتعاونك معهم على كل فضيلة وخير ومشاركتك لهم بالرأي والمشورة وتفاعلك الإيجابي مع قضاياهم وهمومهم ومساندتك لهم ضد كل من يسعى للفتنة والبلبلة والشر إنما هو منك إحسان لهم وخير، ومن أولئك إخوانك في الدين والعقيدة في مشارق الأرض ومغاربها، فالدعاء لهم واستشعار آلامهم وآمالهم ومتابعة أخبارهم والنصح لهم بصدق هو أيضا إحسان منك لهم ومعروف، ومن أولئك أيضا الناس بصفة عامة فلهم عليك حق الإحسان من خلال دعوتهم للإسلام ونشر أخلاقه.
ومثله بينهم وتعريفهم على ربهم جل وعلا، إلى غير ذلك من الذين لهم عليك حق الإحسان والمعروف كالفقراء والمعوزين والعمّال والخدم والأيتام والمرضى والموتى، ومن غير صنف البشر أيضا كالحيوانات والنباتات، وإحذر دائما وأبدا أن تسير في طريق الزور، أو تسير في طريق الغي الضلال، فإن هذا الذنب الخطير والشر المستطير موجود ومنتشر للأسف الشديد في أوساط مجتمعنا فكم سمعنا عن أناس يجلسون على أبواب المحاكم يبيعون ذممهم ويعرضون شهادتهم ولا يستحون أن يقولوا ” تريد شهادة” أو ” تريد أحدا يشهد معك” فيشهد معه في أمر لم يره ولم يعلم به مقابل ثمن بخس، يتحصله أو عوض دنيوى يأكله أو لأجل صداقة أو قرابة أو عداوة للطرف الثانى أو لأجل مجاملة أو محاباة أو خوف منه وقد تكون سلفا فيشهد له في قضيته على أن يشهد له في قضيته.
فيشهد أحدهم شهادة مزورة أو يجمع أقوالا ملفقة أو يوشي بوشايات كاذبة لا يخافون الله تعالى فيها، ولا يخشون عقابه عليها وصدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول “إن بعدكم قوما يخونون ولا يُؤتمنون، ويشهدون ولا ُيستشهدون، وينذرون ولا يوفون” رواه البخاري ومسلم، ولقد نسي هؤلاء لقاء ربهم وظلمة قبرهم ونسيوا أن الحقائق قد تقلب في الدنيا لكنها عند الله تعالى في الآخرة لن يحق فيها إلا الحق ولن يصح منها إلا الصحيح فالحق في ميزان رب العالمين وأحكم الحاكمين سبحانه وتعالى لا تنفع في رده شهادة المزورين ولا فصاحة المحامين ولا تزوير المدلسين والمزورين، وإن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها هو تحقيق العدالة، ومنع الظلم بين الناس، ويراعى فيها بميزان العدالة بين الجماعة والفرد، فلا يسرف في تقديس حقوق الجماعة ولا الفرد.
وذلك تبعا لنظرية الموازنة، التي تهدف إلى تحقيق مصلحة الفرد والجماعة، فهي تحرص أشد الحرص على أمن الجماعة ونظامها وسلامتها، لذلك نرى أن كل الأفعال التي حرمها الشرع وعاقب عليها هي أعمال تفسد أمن المجتمع، وتؤدى لو تركت إلى اضطراب الأمور، وإشاعة الفوضى، والقلق في النفوس، ومن ثم تؤدى إلي دمار المجتمع، ولأجل ذلك فقد حرم الله سبحانه وتعالى شهادة الزور، واعتبرها من أكبر الكبائر، لأنها تؤدى إلى ضياع حقوق الناس، وانقلاب الحق إلى الباطل.التعاون علي البر والتقوي