الجنائز و القبور
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وهنا نقول بأن صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا، فإعلم أن انصرام عام يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري، يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك، فهيا قبل أن تندم ولا ينفع الندم فقد وقف الحسن البصري على جنازة رجل فقال لصاحب له يعظه ترى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟ قال يكثر من الطاعات، قال له الحسن “قد فاتته فلا تفتك أنت”
ولما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية ، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي، ويقف الولي على القبر يدعو له بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل” رواه أبو داود، ولا تجوز الكتابة على القبور، لا كتابة اسم الميت ولا غيرها، ولا يجوز تجصيصه ولا البناء عليه، ولا تجوز إضاءة المقابر بالأنوار الكهربائية ولا غيرها.
لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه” رواه مسلم، وكما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا، ولعن زوارات القبور، وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ، وألا يجلس عليها ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، أو تتخذ أعيادا وأوثانا، وإن الذي ينفع الميت بعد موته هو ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة بقضاء ديونه، فإن المسلم مرتهن بدينه حتى يقضى عنه وتنفيذ وصاياه الشرعية.
والدعاء له والتصدق عنه والحج والعمرة عنه، حيث قال صلى الله عليه وسلم ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له ” رواه مسلم، وتستحب تعزية المصاب بالميت، وحثه على الصبر والاحتساب، ولفظ التعزية أن يقول أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك ، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة، وكان من هديه السكون والرضا بقضاء الله، والحمد لله والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه، أو رفع صوته بالندب والنياحة، أو حلق لها شعره.
وإن من الخير الذي ادخره الله تعالي لأمة حبيبه ومصطفاه أنه يختار لهم إذا جاء الأجل أن يموتوا في زمن كريم أو يموتوا على حال عظيم وكريم فإذا مات المرء يوم الجمعة أو يومها يقول في شأنهم صلى الله عليه وسلم ” من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي فتنة القبر” أو يجعله الله عز وجل يموت على حالة كريمة كأن يموت بمرض في بطنه أو يموت غريبا بعيدا عن بلده أو يموت غريقا أو يموت حريقا أو يكون له أى أمر من هذه الأمور التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم ” ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا الذي يقاتل فيقتل في سبيل الله تعالي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم “إن شهداء أمتي إذن لقليل، القتيل في سبيل الله تبارك وتعالي شهيد والمطعون شهيد والمبطون شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد”